قسم علم الاجتماع(2020-2021)

أ-عباد محمد

التخصص:علم الاجتماع

السنة:الثالثة علم الاجتماع العام

المقياس:سوسيولوجيا الرابط الاجتماعي

(محاضرات السداسي الأول)

مقدمة:

يعتبر الرابط الاجتماعي أحد أهم المواضيع التي إهتم بها علم الاجتماع ،منذ نشأته،كونه أحد الأسس التي يرتكز عليها التنظيم الاجتماعي و المجتمع ككل،و التفكير في الرابط الاجتماعي لا يمكن أن يستنفذ أو أن يبلغ حده الأقصى،ذلك أن أشكاله،حوامله،محدداته،عناصره في تغير و تحول مستمرين،بل ان التفكير في الرابط الاجتماعي هو النفكير في المجتمع ،مهما كانت الزاوية التي اخترناها للنظر و البحث فيه،إنه تفكير في الاجتماعي ،و السياسي ،و الثقافي،الاقتصادي....في الماضي و الحاضر.

يتأثر الرابط الاجتماعي بالبنية الاجتماعية المحيطة به،مؤسسات،قوانين،أعراف،تقاليد،قيم،يتأثر بنمط معيشة الفرد،طبيعة الاقتصاد،طبيعة النظام السياسي،كل هذه العناصر تساهم في إعطاء الرابط الاجتماعي شكلا معينا،و  قد تساهم  كذلك في شحنه بالعنف و الصراع،أو تلبيته....

-ما الذي يجعل المجتمعات تستمر في تواجدها؟

-لماذا يبقى الأفراد مع بعضهم البعض؟

-لماذا يواصل الأفراد رغم الإختلافات الموجودة بينهم في العيش بجوار بعضهم بعضا؟

-ما الذي يجعل العيش داخل المجتمع ممكنا؟

كانت الاجابة الأولية و المقنعة سلفا أو مبدئيا لهذا السؤال،وما وراءه من تساؤلات تكمن في تبريرية تدعي وجود روابط اجتماعية بين الأفراد،وعلاقات تجمعهم،وتبادلات توحدهم من الأصل الأزلي للوجود الإنساني.

وقصد الخروج من الطرح الفلسفي الغائي حاولنا إختزال  إجابة التساؤلات السابقة في مفهموم واحد يحمل الكثير من الأبعاد في التحليل،إنه الكلمة المفتاحية لكل ما سبق ألى و هو الرابط الاجتماعي،فما هو هذا المفهوم؟وما هي مساراته النظرية في علم الاجتماع بين الأمس و الحاضر؟

البناء المفاهيمي

1-تعريف الرابط الاجتماعي:

أ-التعريف اللغوي:الرابط فاعل من فعل''ربط''(وليس من فعل رابط)،و الذي يحمل المعاني التالية:

-ربط،ربط على،يربط،ربطا،فهو رابط،وهو مربوط،وربيط،يربط رباطة،فهو رابط،و المفعول به مربوط عليه......

-ربط الدابة:شدها بالحبل...

-ربط الضريبة على الممول:الاقتصاد حدد قيمتها....

-ربط نفسه عن الفجور:ربط نفسه عن الرذيلة....

-إربط لسانك:إمتنع عن الكلام.....

إلخ من معاني الرابط الاجتماعي.

كلمة رابط تجمع ب(روابط،ورابطات)و تأخذ معانيها من هذا الفعل''ربط'' و الذي يتضمن المعاني التالية:الصلة ،الشدة،الشد،التحديد،القطع،التأخر،و يبدوا واضحا أنها من الأفعال التي تحمل أضدادها بالرغم من تركيز معظم المعاجم على المعنى الأول أكثر''رابط'' فالرابط بالتالي في اللغة هو''كل ما يصل بين طرفين بقوة مع دوام ذلك،ولو لم يكن هذان الطرفان يرغبان في هذا الربط....

أما في اللغة الفرنسية فقد ورد في قاموس لاروس' الشهير ضمن مادة أو كلمة ''ربط'' بأنه:

-السلطة،الحبل ،الحزام،و كل ما يستعمل لإبقاء الأشياء مع بعضها،مربوطة،الإبقاء ،الغلق....

-ويعني أدبيا تقييد حيوان أو إنسان،وسياقته للسجن....ويقال تحرر من رباطه

-الصلة بين شخصين

-الصلة بين الأشياء المجردة(علاقة النتيجة بالسبب،بين مفهومين...

-نلاحظ وجود عناصر كثيرة متشابهة بين التعريف اللغوي الفرنسي،و الللغوي العربي بحيث يتقاطع التعريفين عند مجموعة نقاط ضرورية لوجود الرابط و هي:

(الصلة،الشدة،الديمومة،الإجبارية،الإحتكاك)

ب-التعريف الاصطلاحي:

يرى'' بيير إيف كوزي''pierre yives cusset في كتابه''الرابط الاجتماعي''أن''الرابط الاجتماعي هو مجموع العلاقات الاجتماعية التي تربطنا بالعائلة،الاصدقاء،الجيران،وصولا الى الميكانيزمات الجماعية للتضامن،مرورا بالقواعد،و المعايير التي تزودنا بالحد الأدنى لمعنى كلمة جماعي''

-في حين يرى ''فريديريك لوبارون''في قاموسه المعنون ب''علم الاجتماع من الألف

ل الى الياء''''أن الرابط يتواجد بين فردين أو أكثر تكون العلاقات الشخصية الداخلية مباشرة بينهم،و التي تستند على مختلف أشكال التفاعل،''

و بالتالي نستطيع تعريف الرابط الاجتماعي يإعتباره تفاعلا خاصا،و منتظما بين فردين،و إحدى ركائز الرابط الاجتماعي هي إجبارية التبادل كما وصفها الانثروبولوجيون أمثال مارسال موس،و برونسلاف مالينوفسكي.

-ويعرفه أ.رشيد حامادوش بأنه''تلك العلاقات الاجتماعية،التي تتم و تجمع بين الأفراد في حالات الوجه لوجه،سواء أكانت علاقات شخصية أو لا شخصية،فالرابط الاجتماعي بالنسبة لنا مجموع علاقات الاجتماعية سواء تعلق الأمر بالألفة،أو الأنسة الاجتماعية،أو الروابط الاجتماعية،أو أي شكل من أشكال الرابط الاجتماعي''

-من خلال هذه التعاريف يمكن القول أن الرابط الاجتماعي هو''مجمل العلاقات و الإجراآت التي تسمح بوصل الأفراد،و المجموعات ببعضهم بعضا،و التي تظم كل ما يمكنهم من البقاء مع بعض،و العيش ضمن المجتمع.

أما التعريف السوسيولوجي فيشكل مصطلح الرابط من مجموع محددات لا يكتمل التعريف إلا بها و هي أساسيات لوجوده و تتمثل في:

1-علاقات قوية بين فردين أو مجموعة أفراد أو أكثر دون إختيار مسبق

2-وجود إجراآت،قيم،معايير و قواعد مشتركة بينهم

3-إحتكاك مباشر لفترة تقصر أو تطول

4-تتم من خلالها عملية إندماج و تنشئة

5-تشكل هوية الأفراد و الجماعات

6-تتم العمليات السابقة ضمن مجتمع أوسع له ثقافاته و قيمه.

 

 

 

   ج-العائلة المفاهيمية:

بداية نشير الى مسألتين المسألة الأولى :أهملت المعاجم العربية في علم الاجتماع و حتى العلوم الاجتماعية الأخرى هذا المصطلح و أكتفت بالمصطلحات المجاورة و حتى التي أشارت أليه لم تفرده أو لم تخصص له تعريفا معمقا إنما ببعض الارتباطات من هنا أو هنالك كنسبه الى المفاهيم القرابية أو القبلية،مع أن مسألة الرابط الاجتماعي مركزية في الوطن العربي بما تخلفه من حركية و انهيارات اجتماعية.

ثانيا(المسألة الثانية):لا يقتصر مصطلح'' الرابط '' بحقل علم الاجتماع وحده إنما يمتد الى تخصصات أخرى مع تكييفه وفق سياقات ذلك التخصص.

-يطلق عليه في علم النفس:تسمية الروابط الاجتماعية البينية ،و قد وظفه ''جاك لاكان'' jacques lacan في نظريته المعروفة بإسم'' الخطابات الأربعة''(المشاعر،التصورات،الأدوار،المراكز)

-و يتم الحديث في الاقتصاد:عن الروابط السوقية للإشارة الى مجموع المنتجات و المصالح التي لا يمكن للمتعامل ان ينتجها بنفسه

-في الفضاء السياسي:تستعمل عبارة الرابط السياسي للدلالة على مجمل العلاقات التي تحكم المواطنين فيما بينهم

-دون الحديث عن العلوم الأخرى خارج الحقل الاجتماعي و الانساني كالعمران و و المعلوماتية أو الإعلام الآلي و غيرهما من التخصصات التي تداولت المصطلح كثيرا حسب مجالات عملها التقني و استخداماتها العملية.

أما في ما يخص العائلة المفاهيمية أو المصطلحات المجاورة للرابط الاجتماعي في علم الاجتماع فهي كثيرة و متداخلة بشكل يثير الغموض و الضبابية ،و يصعب معه أحيانا إيجاد الخطوط الفاصلة بينها.

 

أهم هذه المفاهيم سواء ما إرتبط بها لغة أو استعمالا هي:الصلة أو الصلات الاجتماعية،الأواصر الاجتماعية،الأأتلاف و التآلف الاجتماعي،العلاقات الاجتماعية،التواصل و الإتصال الاجتماعي،التفاعل الاجتماعي،الشبكة الاجتماعية،التضامن الاجتماعي،الاندماج الاجتماعي،الانسجام الاجتماعي،التوافق الاجتماعي .....

يمكن تقسيم هذه المفاهيم الى ثلاثة فآت:

أ-مفاهيم ذات إرتباط لغوي:ما يجمع بينها و بين مفهوم الرابط مجرد تقاطعات لغوية لا ترتقي الى التأسيس النظري و الاصطلاحي العميق مثل:الصلة،الاواصر و غيرها....

ب-مفاهيم نظرية استباقية:هي تلك المفاهيم الكبرى في الحقل الاجتماعي و التي اختلطت بمفهوم الرابط الاجتماعي و هي في الاصل نواتج لعملية الرابط الاجتماعي في ذاته،إنما نتيجة ورود المفهومين مع بعضهما البعض بشكل كثيف و متكرر....أهم هذه المفاهيم:النضامن الاجتماعي،الانسجام الاجتماعي،التوافق الاجتماعي،الاندماج الاجتماعي.

ج-مفاهيم ذات صلة قوية:و هي مفاهيم ذات تأسيس نظري سواء في الحقل السوسيولوجي أو في الحقول المعرفية الاجتماعية الأخرى المجاورة،لها أبعادها و نظرياتها و مفكروها و ترتبط ارتباط شديدا بمفهوم الرابط الاجتماعي حتى لا نكاد نجد فرقا واضحا بينها،لذا فهي تستعين ببعضها بعضا في التحليل و المعالجة و حتى التصور كذلك،أهم هذه المفاهيم :

العلاقات الاجتماعية،الاتصال،التفاعل الاجتماعي.....

و ما يهمنا هنا هو النوع الأخير ،فإذا حاولنا التركيز في المفاهيم التي تكون هذا النوع نجدها تمثل مستويات في حجم أو كثافة  الارتباطات الاجتماعية أو نوعا من أنواعها كما هو موضح فيما يلي:

-العلاقة:تطلق بشكل حيادي على أي إرتباط اجتماعي مهما كان نوعه و لو كان في اتجاه واحد.

-الاتصال:يطلق على الارتباطات المحددة باستعمال وسيلة ما و انتظار استجابة معينة.

-التفاعل:هو الارتباط الحاصل بشكل تبادلي بين طرفين أو أكثر مع وجود نتيجة متوقعة

-أما الرابط:فيطلق على الارتباط القوي الذي لا يمكن الانسلاخ منه ،و تنتظر منه نتائج ايجابية تتمثل خاصة في التضامن و الانسجام الاجتماعيين.

فكل مستوى أدنى يتضمن خصائص المستوى الأعلى منه مع زيادة سمة معينة له ،فالاتصال يتضمن العلاقة مع انتظار الاستجابة و التفاعل يحتوي الاتصال مع اضافة التبادل و الرابط يضم الكل مع الإجبارية و انتظار نتيجة إيجابية

ما هو المجتمع:

بالنسبة لعملية التعريف،نعتقد أنها عملية كلاسيكية و لا تفيد في المناقشات بقدر ما تشتت التفكير حول الموضوع،بالامكان العودة الى الكتب الكلاسيكية في  علم الاجتماع للإطلاع على مئات التعاريف و المداخل لفهم المجتمع و نشأته.

ما يجب ان ننطلق منه لمناقشة المجتمع و مفهومه،هو فهم ما هي العناصر التي ليست بمجتمع و يسود الاعتقاد بأنها كذلك.

-يجب أن نشير في كل استعمال لمفهوم المجتمع إلى ما يلي:

-إن الأسرة ليست بمجتمع،و كذلك القبيلة و العشيرة و الطائفة....إن هذه العناصر هي جماعات و عناصر و روابط .....و هي البنى العضوية التي تطورت منها المجتمعات الحديثة،تسمى هذه العناصر بالبنى ما قبل المجتمعية،أو حالة ما قبل المجتمع وجدت رغما عن الأفراد و سابقة لهم و تشتغل وفق روابط مفروضة عليهم

-يهيمن على الرابط الاجتماعي داخل هذه البنية علاقات القرابة و الدم

-إن الفرد هو مفهوم حديث ارتبط بنشوء المجتمع  و بالتالي فإنه لا يمكن الحديث عن الفرد كوعي تاريخي  و موضوع هام في الأبنية العضوية الاولية،فالحياة الاجتماعية تعاش في هذه الحالة بشكل جماعاتي و ليست بشكل فرداني  فليس لففرد أي حرية في الإختيار.

سيكون المجتمع إذن هو ظاهرة سوسيولوجية حديثة ارتبط ظهورها بنشأة الرأس مالية الليبيرالية و السوق في أوروبا الغربية،حيث أدى انهيار البنيى العضوية التقليدية إلى نشوء تنظيم اجتماعي جديد قائم على  الفرد كوعي و كوجود أفرزته التحولات العميقة التي طرأت على اقتصاديات أوروبا الغربية إبتداء من القرن السابع عشر.

-أنواع الروابط الاجتماعية و أشكالها:

من الصعوبة بما كان معالجة أنواع الرابط و أشكاله للتداخل الشديد بينها كما أن أغلب المراجع  تتجاهل هذه التقسيمات....و يمكن أن نجمع أهم هذه التصنيفات فيما يأتي:

1-التصنيف1:وفق درجة الإندماج :و يتضمن

أ-رابط مباشر:العائلة،الجيران،الأصدقاء...

ب-رابط غير مباشر:و هو الرابط الذي يتشكل عن طريق الجمعيات و النقابات ،و الأحزاب السياسية....

2-التصنيف الثاني:وفق درجة الإحتكاك:و يتضمن

ا-الرابط السياسي:رابط منظم من خلال قوانين الدولة....

ب-الرابط الاقتصادي:قائم على المصلحة المادية،و الأفراد فيه أشبه بسلع السوق....

ج-الرابط الاجتماعي:قوي،دون مصلحية و ينبني وفق قيم المجتمع و معاييره العامة....

3-التصنيف الثالث:وفق درجة الشدة: و يتضمن

أ-رابط قوي( شديد):كان أكثر تحكما في المجتمعات التقليدية....

ب-رابط ضعيف(متراخي):ظهر و بقوة في المجتمعات المعاصرة....

4-التصنيف الرابع:وفق لمستوى التجريد:و يتضمن

أ-روابط ملموسة:العائلة،المدرسة،الجمعية....

ب-روابط مجردة:اللغة،القيم،المعتقدات.....

5-مصادر الرابط الاجتماعي و مؤسساته:

المصدرية تعني المرجعية التي تنبع منها قوة الشيء،ويستمد هذا الشيء منها أساس وجوده و استمراريته،و لعل مصادر الرابط الاجتماعي متعددة و ضمن مجموعة من المؤسسات التي تعمل على تفعيله و فرض متطاباته،و تشكل هذه المصادر مجموعة إنتماآت تفرض ذاتها بقوة لحمايته و ضمان بقاءه و هي:

ا-الانتماء القرابي:و الذي يجعل الفر يشعر بانتسابه البيولوجي،بداية من الوالدين إلى الأسرة المحدودة،مرورا بالعائلة الممتدة،وصولا الى الأشكال الراقية للقرابة من العشيرة الى القبيلة القائمة على أساس الإنتساب لنفس الجد،أو السلالة،أو العرق،وقد بين الانثروبولوجيون  قوة هذا الإنتماء في إستقرار المجتمع و تضامنه،و حماية أفراده من الإنحراف الاجتماعي بالرغم من تحوله أحيانا غلى عائق أمام التغير الاجتماعي الضروري،و سببا في تأخر الجماعات الاجتماعية فكريا،و علميا أو حتى حضاريا،أهم مؤسسات هذا المصدر هي:الأسرة،العائلة،العشيرة،القبيلة،العرش.......

ب-التبعية الدينية:الدين عامل حاسم في ضم الأفراد و زيادة قوتهم و تماسكهم ،و تجانسهم ضمن مجموعة من التصورات المحددة للعالم،على حد تعبير ''ماكس فيبر'' كما يمكن أن يكون مصدرا للتعصب و الصراعات التي قد تصل إلى الدموية بين الجماعات المختلفة....دينيا و مذهبيا و أهم مؤسسات هذا المصدر:المسجد،المعبد،الجمعيات الدينية،الإحزاب الدينية.......

ج-الإيديولوجية السياسية:ميلاد فرد ضمن دولة أو كيان سياسي معين يجعله بالرغم من قناعاته الذاتية يدخل في منظومة من القوانين المشتركة و الإيديولوجيات العامة التي تصنعها أجهزة الدولة و تساوي فيه بين المنتمين اليها ،و تسعى لتنظيمهم في قوالب متقاربة تجمعهم علاقة مواطن بمواطن آخر،و يزداد التماسك بين أفرادها في حالات الشعور بالتهديد الخارجي لهذا الكيان السياسي،من ذلك حالات الحرب،و الأزمات الاقتصادية،.....و أهم مؤسسات هذا المصدر:الولاية،الحزب،جمعيات المجتمع المدني،الجمعيات السياسة.....

د-الانتماآت المهنية:ينظم الفرد في مساره الحياتي غلى دائرة  إلى مجموعات مهنية معينة،فتطبع تصوراته و حتى تطلعاته،وتدعم شعوره بالإرتباط  إلى دائرة تشكلت عن طريق المهنة و الوظيفة التي يمارسها بغض النظر على موقعها الاجتماعي و انتمائها الجغرافي،و هكذا يدافع الأستاذ عن الأستاذية و يبرر سلوكياتهم،و الطبيب و المحامي،العامل....و يعمل الرابط على بناء هوية الفرد بشكل واضح،و لعل هذا الرابط يزداد أكثر في المجتمعات المعاصرة،من منطلق المصلحة المشتركة بين أصحاب المهنة الواحدة و الدفاع عنها و أهم مؤسسات هذا المصدر:نجد المصنع،الجامعة،الإدارة،النقابات.......

و الجدول التوضيحي التالي يمثل مصادر الرابط و مؤسساته،و أسس إنتماآته

المصدر

أساس الإنتماء

المؤسسات

الإنتماء القرابي

العرقية

الأسرة،العائلة،العشيرة،القبيلة

التبعية الدينية

الإعتقادية

المسجد،المعبد،الحركة،المذهب،الدين

الإيديولوجية السياسية

النظالية

الولاية،الدوائر،جمعيات مدنية،الحزب

الإنتماآت المهنية

المصلحية

المعمل،الإدارة،الجامعة،المدرسة....

6-نواتج(أهداف الرابط الاجتماعي):

1-إستمرارية المجتمع:و هي القدرة على بقاء الأفراد و المجموعات مع بعضها البعض،و إعطاء النفس للأجيال اللاحقة بالعيش هي الأخرى،مع بعضها دون الإنعزالية أو تدمير لهياكلها ،و هو ما يمكن أن نسميه بالتعايش الاجتماعي بين الأفراد و الجماعات و على الرابط ضمان ذلك.

2-التضامن الاجتماعي:و هو ذلك التساند القائم بين الأفراد،خاصة في الفترات الحرجة إذ يضمن الرابط بقاء هذا التلاحم بين عناصر المجتمع المختلفة...

3-التجانس الاجتماعي:يتمثل في التقارب النسبي لأفراد المجتمع و تناسقهم فلا يظهر مثلا الفارق الطبقي الاجتماعي بين الفئات الاجتماعية المتباينة.....

7-حوامل الرابط الاجتماعي:

أ-حوامل الرابط الاجتماعي في المجتمعات التقليدية:

يمكن تلخيصها في العناصر التالية:

-النشاط الاقتصادي(الزراعي) كعنصر أساسي و مهم في تنظيم لعلاقات التبادل و الإنتاج و التضامن بين الأفراد و الجماعات.

-هيمنة علاقات الدم و القرابة و أولويتها في كل أشكال التبادل الاجتماعي(المادي و الرمزي).

-يمثل التجانس الديني أهم حامل للرابط الاجتماعي و هو الأساس الذي يتم من خلاله صياغة الأعراف و القوانين المنظمة للعلاقات الاجتماعية،بل أحيانا تتطور هذه الأعراف لتصبح بمثابة دين للجماعة يكتسب قدسيته مع مرور الزمن.

ب-حوامل الرابط الاجتماعي في المجتمعات الحديثة:

يمكن تلخيصها في ما يلي:

-المؤسسات الرسمية و القوانين المكتوبة

-السوق الاقتصادية الليبيرالية

-الفرد كموضوع حق و قانون......

8-نظريات الرابط الاجتماعي:

8-1-الرابط الاجتماعي في الفكر الخلدوني: العصبية كرابطة اجتماعية قرابية:

تتمثل الرابطة الاجتماعية عند ابن خلدون في ظاهرة العصبية، التي تعتبر مصطلحا سوسيولوجيا خلدونيا فعندما نقول كلمة عصبية، يذهب تفكيرنا مباشرة إلى ابن خلدون، الذي يُعتبر أول من أعطى  الدلالة السوسيولوجية، لهذا المفهوم ودوره السياسي، في تشكل السلطة وقيام الدولة، فهو يعتبر ظاهرة العصبية، بمثابة المحور الذي تدور حوله معظم البحوث الاجتماعية والسياسية. رغم أن هذا المصطلح، كان شائعا بين العرب، قبل مجيء الإسلام،  فكانت تعني تبني شخص لقضية ذويه، أي مساندة الشخص العمياء لجماعته، دون أن يأبه للعدالة وموقفها غير أنه لم تكن لها قط قبل ابن خلدون قيمة تفسيرية، و لا دلالة تقنية سياسية واجتماعية حقا.

لم تكن الذهنية البدوية لعرب الجاهلية، لتتصور الكائن الإنساني، إلا داخل فئة جماعية قطعية  ويذوب الفرد في القبيلة، فلا وجود لشخصية خاصة متفردة، إذ الوحدة القبلية لا تُعرف بروابط التضامن، ولا بروابط الود، خارج الوحدة التي تتألف من أفراد نفس العصبية.   و تُعرّف العصبية في لسان العرب "على أنها مشتقة من لفظ عصب، الذي يعني حرفيا ربط، تجمع، شدّ أحاط، اجتمع، فعصبية الرجل، بنوه وقرابته وكل شيء استدار به.

نقول عصّب الرأس بمعنى ربطه، وهي تدل على رابطة دموية وتلاحم الأرحام، منذ القديم أي قبل مجيء الإسلام".وبعد الإسلام اندثرت العصبية بعنف، وذهبت أثارها السيئة، ودعا المسلمون ليتخلصوا من أثارها القبلية المتخلفة، إلا أن ابن خلدون اقترب من مفهوم العصبية، لأجل منطق نظرياته ومعقوليتها، من وجهة نظر أخرى. لقد استعمل مفهوم العصبية مع مصطلح الالتحام  والنسب فيقول :"في أن العصبية إنما تكون من الالتحام

بالنسب أو ما في معناه"،ويقصد بما في معناه أي كل مصطلح يرادف معنى الالتحام، كالتماسك والترابط و التعاضد وغيرها.

   ولهذا أعطى معظم الباحثين الذين اهتموا بالفكر الخلدوني، والدراسات الخلدونية للعصبية، مفهوم التماسك والترابط، فهم يرون أن هذه الظاهرة، عبارة عن رابطة اجتماعية، تمتاز بالتماسك بين أفراد النسب الواحد، وتظهر في القبيلة( المجتمع البدوي )، بصورة واضحة، وأبرز هؤلاء الدارسين محمد عابد الجابري، الذي يُعرف العصبية في كتابه "العصبية و الدولة" على أنها "رابطة اجتماعية سيكولوجية، شعورية ولا شعورية، تربط أفراد جماعة، قائمة على القرابة المادية والمعنوية، ربطا مستمرا يبرز، عندما يكون هناك خطر، يهدد أولئك الأفراد، كأفراد أو كجماعة." ويعرفها الحصري "تدل على تفكير فاحص ونافذ، تفكير معمق في درس الحوادث الاجتماعية وفي تحليل الوقائعة التاريخية، وهي قادرة على إظهار، أوثق أنواع الروابط الاجتماعية وتعيين أهم أشكال الترابط لاجتماعي." كما يعرفها عبد الرزاق المكي –باحث اجتماعي مصري في الفكر الخلدوني –"العصبية كلمة تتأسس اجتماعيا، بصلة الاشتقاق إلى كلمة العصب، بمعنى الشد والربط والأصل في معناها أنها الرابطة المعنوية،التي تربط بين ذوي القربى والرحم، فالعصبية مرتبطة بالجماعة، إذن هي رابطة اجتماعية  ويرى الصغير بن عمار في كتابه"الفكر العلمي عند ابن خلدون" "أن صاحب المقدمة، لم يستعمل هذه الكلمة، بمعناها اللغوي الظاهر، ولا بالمعنى العرقي، بل استعملها بمعنى أوسع من ذلك بكثير، إنه أدخل في نطاق مفهوم العصبية، الروابط الاجتماعية والظواهر التكاتفية والتناصرية، وبذلك أصبحت العصبية مفهوما اجتماعيا Concept sociologique تدخل في المجتمعات و سيرها.

   أما إذا ذهبنا إلى معجم علم الاجتماع المعاصر، فإنه يُعرّف العصبية"على أنها مجموعة أو مجتمع محلي، نشأ على أساس ترابط عائلات، وهي تلتقي مع مفهوم الرابطة الاجتماعية بالانجليزية، في كلمة Band "بمعنى الربط والشد .هذا ما يوضح لنا أن العصبية، لها علاقة

كبيرة بالرابطة الاجتماعية أو بعبارة أدق، العصبية رابطة اجتماعية، تقوم على النسب والقرابة. 

  كما يرى محمد عزيز لحبابي، أن العصبية في النسق الخلدوني هي:" العلاقة التي تربط أهدافا ومشاعر مشتركة، عند كل من تجمعهم لُحمة الدم أو الولاء، فهي كما توجد في البوادي توجد كذلك  داخل المدن، لأنها تستجيب لميل طبيعي، يحمل الناس على أن يلتحموا بعضهم البعض وأن يتكتلوا في فئات وإن لم ينتموا إلى نفس الأسرة، على أن هذا الالتحام، يظل أقل متانة من روابط الدم، وبالتالي فالعصبية المتولدة عن هذا الميل، ليست سوى جزء مما يتولد عن القرابة المباشرة." ويرى إيف لاكوست أن العصبية عند ابن خلدون، ليست شكلا من أشكال التعاضد فحسب، بل هي نوع من أنواع العلاقات الاجتماعية، أو الروابط الاجتماعية،[1]كما يمكننا أن نضيف بعض مرادفات العصبية، التي قدمها شُراح ابن خلدون، ومن بين هذه التفسيرات في اللغات الأجنبية، نجد البارون دوسلان، الذي ترجم كلمة عصبية بتعبير Esprit de corps ، الذي يعني روح التضامن، يظهر بين الأشخاص المنتسبين إلى المهنة الواحدة.

 واقترح غوتيه استبدال التعبير السابق النظر لقصوره، عن مقابلة مقاصد ابن خلدون، بتعبير آخر هو Esprit de clan  الذي يدل على روح التضامن، الذي يظهر بين أفراد القبيلة الواحدة أو الطائفة الواحدة، ومن الاستعمالات الأخرى لمعنى العصبية، التماسك Cohésion  والولاء للجماعةGroup loyal  والشعور الجمعي Group feeling. وتعكس هذه المرادفات معان مثل الوفاء للجماعة،  التماسك الداخلي للجماعة، فكل المرادفات جاءت تدل عن التضامن الترابط، التماسك الجماعي.

   إذن ربط ابن خلدون مصطلح العصبية بالقرابة، هذه الرابطة الاجتماعية، التي تعتبر شرطا أساسيا في العصبية القبلية، وذلك من خلال شرحه، لمصطلح النسب وصلة الرحم.

فلا يمكن أن تعتبر مجموعة ما عصبية، إلا إذا كان أفرادها ينتمون لنفس الأصل، وذلك حسب تعريف علماء الاجتماع  والانتروبولوجيا لموضوع القرابة، وربطه بالعصبية كما فعل ابن خلدون.

 كما أن للقرابة موضوعات مختلفة، تتمثل في الزواج، الأسرة، العصبية، هذا حسب نظر وأراء الباحثين أمثال’’ لويس مورجان ‘’، لهذا احتلت العصبية مكانة بارزة في نظرية ابن خلدون. "حيث تظهر هذه العلاقة، منذ اللحظة التي يبدأ فيها تعصب الجماعة القبلية لدفع خطر خارجي يهددها، أو لجلب منفعة من الغير، بالهجوم والمطالبة، ويظهر إلتحام أفراد القبيلة على مستوى القرابات التي تكونها، لأن صلة الرحم، طبيعي في البشر إلا في الأقل"

   والدليل على ذلك أن الأفراد المكونين للعصبية ينحدرون من نفس النسب والمصاهرة، وينتمون إلى أسرة أو عائلة واحدة، هذا ما يسميه علماء الاجتماع و الأنتروبولوجيا، بالعلاقات القرابية الدموية. أما العلاقات القرابية الاجتماعية، وهي التي تتكون بالنسب البعيد والحلف والولاء، كما شرح ذلك ابن خلدون في نظريته، وتبدوا للقرابة علاقة كبيرة بالعصبية، ذلك لاعتبار صاحب المقدمة أن العصبية، مصدرا لتأسيس السلطة، وهذا المصدر يرتكز في تشكُله وتكوينه بالعلاقات القرابية وروابط الدم، أو العلاقات الدينامية، وبالتالي فإن لهذه العلاقات دورا في تأسيس السلطة هذا ما كان يفرضه الإمكان الواقعي للمجتمعات، التي أُجريت فيها البحوث الأنتروبولوجية حول السلطة والقرابة، فهذه المجتمعات تجعل القرابة، مصدرا لكل سلطة بما فيها السلطة السياسية وتترك مفهوم الوطن، مكانه لمفهوم النسب،حيث يدين الفرد لقبيلته التي هي حصيلة النسب وحيث تعلوا العلاقات القرابية فوق كل علاقة

   إضافة إلى ذلك وحتى نفهم جيدا ظاهرة العصبية، المتشكلة بالرابطة الاجتماعية، والمتمثلة في القرابة، نعرج على ظاهرة القبيلة، التي تعتبر ظاهرة اجتماعية ضاربة في أعماق التاريخ العربي، في المغرب  والمشرق على حد سواء، كما اعتبرها ابن خلدون التُربة

الخصبة، التي تنمو فيها العصبية وأنها الأصل في المجتمع البدوي" في أن سكنى البدو لا يكون إلا للقبائل أهل العصبية"

    وهنا يظهر الارتباط أو العلاقة بن العصبية والقرابة والقبيلة، التي كانت تجمع أفراد العائلة الواحدة المنحدرة من أب واحد. وتُعرف القبيلة في معجم علم الاجتماع"على أنها عددا من الناس ينتمون إلى أصل مُشترك، كما يشتركون في ملكية منطقة من الأرض، وتقوم بينهم صلات القرابة ويتكلمون لغة واحدة ولهجة واحدة، وتنقسم القبيلة في العادة إلى عدد من العشائر وتنقسم العشيرة إلى عدد من الجماعات كل جماعة منها عبارة عن عائلة أو عائلتين أو ثلاث" ويعرفها بيشلر "هي الشكل الانقسامي للتنظيم الاجتماعي، يتكون من أقسام قاعدية، يُمثل كل منها أسرة ممتدة، في عمق ثلاثة أو أربعة أجيال، وكل قسم قاعدي، يلتحم تلقائيا مع قسم آخر ،كلما شعر بتهديد أو خطر، وشيئا فشيئا ،يمكن أن تتحدد القبيلة بأسرها، أو مجموعة قبائل في مجموعة مؤقتة، لمواجهة عدو خارجي""كما أنها تؤلف وحدة اجتماعية، وسياسية واقتصادية متكاملة بل إنها تكاد تكون في رأيهم، مجتمع مغلقا على نفسه، يتصل مع القبائل المجاورة إلا في الحاجة"

   لقد أدرجنا توضيحا ولو بسيطا، حول المفهوم السوسيولوجي للقبيلة، وذلك لتوضيح مدى وجود علاقة بين العصبية والقرابة والقبيلة، حيث يشترط كل منهما وجود الثاني، فداخل القبيلة توجد القرابة والعصبية، الناتجة عن ذلك القرب الدموي، بين أفراد نفس العائلة، ولهذا كما قلنا فالقبيلة تمثل مكان نشأة العصبية، وهي كبنية تقليدية اجتماعية، شأنها في ذلك شأن العصبية.

  وما يحدد مفهوم القبيلة عند ابن خلدون، هو الاجتماع على أساس العلاقات الدموية، وهو الشرط التأسيسي لقيام الجماعة، وإذا ما توفرت القرابة بين أفراد الجماعة، لم تأسس القبيلة، لأنه إذا وجدت جماعة لاينتمون إلى قرابة، لا نسميهم قبيلة، لعدم توفر شرط القرابة، وقد يُضاف إلى العلاقات القرابية، في القبيلة بعض الولاءات والموالي، لكن العائلة هي الخلية الأساسية فيها  يتزعمها قائد طبيعي، وعادة ما يكون كبير السن، لكسب طرق وخبرة سير القبيلة ونظامها.

   وتظم القبيلة ثلاث أصناف من الأفراد، يتقدمها صرحاء النسب، وهم أساس  أشراف القبيلة وارستقراطيتها، يتفاوتون في الشرف بتفاوت بيوتهم في الحسب، ثم صنف الموالي والمصطنعون (اللُصقاء) هم الذين التحقوا بالقبيلة، بواسطة اللجوء أو الحلف من العدو أو ضده، أما صنف العبيد، وهم عادة ما يكونون أسرى الحروب، والغزوات التي ترجع أيضا إلى العلاقات الاقتصادية وأنواع الصراع الذي يقوم على الرغبة في الحصول على مستوى عيش أفضل، وقد تتخطى القبيلة روابط القرابة حتى تتوسع وتنمو، كما يقول اوغستين بارنار (عالم انتروبولوجي ) « أن القبيلة لا تنمو فقط عن طريق الاندماج بل كذلك عن طريق التجميع ».

   إذن تحدث ابن خلدون عن الرابطة الاجتماعية، من خلال شرحه لمفهوم العصبية، على أنها الالتحام بالنسب، وبالتالي القرابة هي رابطة اجتماعية طبيعية عند البشر، تتميز بالاتصال برابطة النسب والقرابة وما إليها من الراوابط المماثلة، حيث يفقد الفرد في هذا التجمع فرديته، ويتقمص شخصية القبيلة أو الأسرة، التي ينتمي إليها وخاصة، في حالة الخطر الخارجي، الذي يُهدد كيان العصبية المادي أو المعنوي.ولأنها تنشأ بين أفراد النسب الواحد في العائلة فالقبيلة، تمر بمراحل تطورية، لتصل إلى المجتمع الحضري، فتتغير شيئا فشيئا لتأثرها بالثقافة الحضرية، أو كما سماها ابن خلدون بحياة الترف الحضري، لأنها تتميز بالقوة و التماسك في البداوة خاصة أثناء الخطر لتضعف في المدينة.كما أن العصبية أيضا عبارة عما تتمتع به القبيلة أو الأسرة من القوة والجاه اللذان يجعلان من أفرادها جمعا متراص البنيان.

8-2-الرابط الاجتماعي عند'' إيميل دوركهايم'':

 يعتبر من أهم و أشهر علماء الاجتماع الفرنسيين،وذلك لما وهبه من أفكار و نظريات ...إلخ،تعرض ''إيميل دوركهايم''  للرابط الاجتماعي في كتابه ''تقسيم العمل الاجتماعي''(1893)،عندما تحدث عن التضامن الآلي و العضوي،وذلك في مقارنته للمجتمعات القديمة أو البدائية ،و المجتمعات الحديثة أو الصناعية،لأن الاولى تتميز بالتماسك الآلي ،و الثانية يسود فيها التضامن أو التماسك العضوي،كما يرى ''دروكهايم'' أن الأفراد في المجتمع البدائي متجانسون،وتقسيم العمل يأخذ شكلا بسيط و يقصد بذلك أن الروابط الاجتماعية من حيث العمل ضئيلة ،فالأفراد لا يتقاسمون الأعمال بدرجة كبيرة لأن معظمهم يمارس نشاط واحد يتمثل في النشاط الفلاحي أو الرعوي،من ناحية أخرى الرابط الاجتماعي قوي بالنظر الى عامل القرابة ووحدة التقاليد،ورأي عام موحد و المسؤولية جماعية.

أما في المجتمع الصناعي فالتماسك عضوي(التضامن) أي هنالك ترابط عضوي بين أفراد المجتمع،حيث يبدوا تقسيم العمل واضحا،وذلك لتمايز الوظائف و إختلاف الأعمال،بين أفراد المجتمع فكل فرد لديه وظيفة يؤديها يفيد بها غيره و يستفيد هو كذلك من خلال الوظائف الاجتماعية التي يؤدونها من خلال تقسيم العمل الاجتماعي،بمعنى آخر الأفراد في المجتمع الصناعي تتشكل لديهم روابط اجتماعية على أساس تقسيم العمل.

حيث تتميز(الروابط الاجتماعية) بالضعف  في المجتمع الصناعي،مقارنة بها في المجتمع البدائي التقليدي.

حيث ذهب ''دوركهايم''إلى القول''أن أول شكل اجتماعي يمكن تصوره و افتراضه لنشأة الحياة الاجتماعية هو ''الرابطة،ثم العشيرة ،ثم الاتحاد أو الأخوة و أخيرا القبيلة'' حيث تعد جميع هذه التنظيمات بدائية و بسيطة و الرابط الاجتماعي فيها قوي،بينما في المجتمعات الحديثة مجتمعات معقدة،تخضع لتقسيم العمل و هي المجتمعات التي يكون فيها التضامن الاجتماعي في الأعمال و الوظائف بكثرة و قوة،وذلك لتحقيق التكامل و التجانس بين الأفراد،و تقسيم العمل يؤدي الى الوحدة و التضامن الاجتماعيين.

8-3-الرابط الاجتماعي عند'' فرديناند توينز'':

و هو عالم اجتماع ألماني اهتم بدراسة المجتمع و نشأته ،و تطوره و قد استخدم مفهوم أو مصطلح الرابط الاجتماعي في عدة تفاسير و تحليلات.

إنطلق '' توينز'' في كتابه ''الجماعة و المجتمع'' من مقارنة نفسية و بسيكولوجية حيث يرى أن''الإرادة تسمح للفرد بالإنتقال من حالة تجمع انساني معين إلى حالة أخرى''و بإختلاف نوع هذه الإرادة التي يتبناه يختلف نوع التجمع اناتج بعد ذلك،حيث قسم ''فرديناند توينز'' الإرادة الى نوعين:

أ-الإرادة العضوية: و هي أساسية تتحقق بحرية التصرف و التلقائية و الأصالة هي مميزاتها،و هذا ما ينتج حالة الجمعاتية،أو شكل الجماعة و هو التنظيم الذي يطبع الأفراد الذين يعيشون ضمن المجموعة الأولية،ميزتهم التعلق الداخلي و العاطفة القوية للعائلة التي ينتمون إليها (رابطة الدم) من جهة،و نحو بلدتهم و من يسكنها (رابطة المكان) من جهة أخرى،و نحو الممارسات التقليدية و الدينية التي تمارس فيها(رابط الروحي المقدس) من جهة أخرى،و يقوم هذا الشكل على الأخلاق التي تعمل على تلاحم أجزائه و توحيدها و الإنسجام بينها  و هو رابط قوي و دائم يتموقع خارج الأفراد ،فالشعور بالإنتماء يتجاوز الشعور بالإختلاف ،و المصلحة العامة تتجاوز المصلحة الخاصة....المجتمعات التقليدية خاصة.

ب-الإرادة المفكرة: تتعلق بالإختيار الذاتي و القرار و الحكم،و تنتج عنها حالة المجتمعية أو شكل المجتمع الذي يقوم على التفكير الإنساني،وبما أن التفكير مختلف بين الأفراد فهم يدخلون في تنافس بينهم إقتصاديا ،و اجتماعيا،فالرابط يقوم على المصلحة الفردية و يجعل من الرابط شكليا و مصطنعا و ما يطبع هذا زيادة المؤسسات التجارية التي تُفعل عملية البحث على الربح الفردي،فكل فرد يسعى لإرضاء نفسه فالأفراد أجانب عن بعضهم و هذا ما يزيد أكثر من الفردانية .

و بالتالي فالرابط الاجتماعي يتميز بالتعاقدية و العلاقات الغير شخصية و النفعية بين الأفراد و سيطرة المصلحة الفردية و الخاصة.

بذلك يعتقد ''فرديناند توينز''''أن الرابط الاجتماعي القائم في النمط الجماعاتي يحمل طابعا إيجابيا،في حين يتصور أنه سلبي في النمط المجتمعي.

 

الرابط الاجتماعي في الفكر الليبيرالي:

مقدمة:

 يمكن إعتبار مسألة الحداثة و العصرنة محاولة متواصلة للإجابة على سؤال مفاده،ما هي الظروف التاريخية التي أدت الى تأسس و تشكل الرابط الاجتماعي؟كيف إنتقلت المجتمعات البشرية من حالة غياب المؤسسات و القوانين،الى حالة أخرى سيطرت و هيمنت فيها القوانين و المؤسسات على أبسط تفاصيل الحياة الاجتماعية؟

منذ نهاية القرن السادس عشر الى غاية القرن الثامن عشر، طرحت مسألة الرابط الاجتماعي انطلاقا من تصورين متناقضين:

-تصور المجتمع على أنه دولة

-تصور المجتمع على انه الفرد

منذ عصر ''جون لوك'' ضلت الفكرة السائدة حول الدولة مفادها أنه لا يمكن أن يكون لها أساس آخر غير كونها عبارة عن تجمع لأفراد مستقلين،يشكلون بشكل إرادي جماعة ذات سيادة .

لكن بوصول'' آدم سميث'' الاقتصادي الإنجليزي الشهير،لم من السهل تمرير هذه الفكرة و تقبلها،و لم تعد هي المؤسسة للتفكير حول الدولة،المجتمع و الاقتصاد.

حتى و ان كان آدم سميث معروف عند الأكادميين بأنه أب الليبيرالية الاقتصادية،لكن قليلون من يدرك بأن نظريته الليبيرالية تشمل كذلك الولة و الفرد و المجتمع،بال إن فكرة الاقتصادي لا يمكن إستعابه إلا بعد فهم الانثروبولوجية التي تأسس عليها .

كثيرا ما تتم الإشارة الى كتاب ''آدم سميث''''بحث في ثروة الأمم'' بإعتباره الكتاب المرجعي، التي تمت فيه صناعة النظرية الليبيرالية أو الفكر الليبيرالي في الاقتصاد الحديث،لكن نادرا ما تتم الإشارة الى الكتاب الآخر الذي كتبه ''آدم سميث'' قبل هذا الكتاب و الذي وضع فيه الأسس الأنثروبولوجية للفرد و المجتمع،و منها صاغ نظريته العامة في الاقتصاد .

قبل كتاب ''بحث في ثروة الأمم'' كتب ''النظرية العامة في الأخلاق'' وفيه حدد مفاتيح لفهم و قراءة كتاب''ثروة الأمم''....

إذا كان مبدأ التعاقدية هو الشرط الأساسي لنشوء المجتمع عند''جون لوك،طوماس هوبس،و جون جاك روسو'' فإن ''آدم سميث'' قد رفض تماما هذا المبدأ ،يعتقد ''آدم سميث'' بأن الرابط الاجتماعي(المؤسس للمجتمع) لا يمكن إشتقاقه من التعاقدية،ولا من أي فعل إرادي آخر،ولا هو أصلا فعلا إرادي.

كيف فكر ''آدم سميث'' في الرابط الاجتماعي؟

أولا: الرابط الاجتماعي في فكر''آدم سميث'': الفرضية التي يمكن الإنطلاق منها لفهم الرابط الاجتماعي عند ''آدم سميث'' هي ذلك التساؤل الذي يقترحه''بيار روزن فلون'' ‘’pierre rosen vallon’’في كتابه الشهير''الرأس مالية اليوتوبية''’’le capitalisme utopique’’''،مفاد هذا التساؤل هو أن النضج الاقتصادي  للمجتمعات هو الذي سمح ''لآدم سميث'' بالتظر الى المجتمع  على أنه متأسس ذاتياauto-institu أو مهيكل ذاتيا.

و رغم معارضته الشديدة لفكرة التعاقدية التي طرحت في فلسفة ''طوماس هوبس،و جون لوك'' ،إلا أنه يتشارك معه في فكرة أساسية هي أنه من الضروري حل المجتمعات الحديثة إنطلاقا من الطبيعة الأنثروبولوجية للفرد''أي ضرورة أن تكون القوانين محترمة كابحة في الآن نفسه لنزوت الأفراد و أهوائهم'' .

و تعني هذ المقولة الأساسية في الفلسفة المعاصرة ،ضرورة إدماج النزوات الاقتصادية في الحلول السياسية المقترحة،بدل النظر الى هذه النزوات على أنها مشكلات يجب قمعها و كبحها في أي تشريع قانوني في المجال السياسي،الاجتماعي،الاقتصادي،و الثقافي .

يدعو''آدم سميث'' إلى ضرورة التوفيق بين النزوات الفردية و الجماعية،و بين عملية التشريع.

كتب ''آدم سميث'' ما يلي(الأساس المتين الوحيد في النظام الاجتماعي يجب بناءه على أساس النزوات الفردية و ليس على قمعها)،

إن تحليل الطبيعة البشرية الذي قام به آدم سميث في كتابه ''نظرية القيم الأخلاقية'' و الذي يعتبر كما أشرنا سابقا،بمثابة القاعدة الأنثروبولوجية لكل فكره اللاحق،كان فرصة له ليطور فيه نقدا عمليا لمبدأ التعاقد الذي تأسست عليه فلسفة العقد الاجتماعي يرى''آدم سميث'' بأن العقد الاجتماعي كان منشغلا أكثر بمحاولة تفسير أصل المجتمع،و كيف نشأ في السياق التاريخي لأوروبا الغربية،و لم ينشغل بالإجابة على سؤال أساسي و مهم و هو:

ما هي شروط إشتغال المجتمع؟

و ما هي شروط إنتاج التجانس و التناغم الاجتماعي؟

هذه هي الأسئلة التي شغلت فكر ''آدم سميث'' لقد فظل أن يبتعد عن المضاربة في تفسير نشوء المجتمع،و حاول بدل ذلك،أن يفكر في شروط إنتاج التجانس الاجتماعي، أي بلغة السوسيولوجية اليوم لقد إشتغل في البحث عن الحامل الأفظل للرابط الاجتماعي في المجتمعات الحديثة؟

 ثانيا:ما هو العنصر الأهم الذي يجب أن يكون حاملا للرابط الاجتماعي:

نجد الإجابة عن هذا التساؤل في كتاب أحد أهم المنشغلين على فكر ''آدم سميث'' ''بيار روز نفلون'' أحد تلاميذ'' آدم سميث'' حيث يعتقد هذا التلميذ الوفي أن ''كل من فكرة العقد الاجتماعي،وفكرة السوق،ما هما إلا متغيرين أساسيين للإجابة على السؤال نفسه،أحدها متغير سياسي و اجتماعي(العقد الاجتماعي) و الأخر متغير إقتصادي و هو (السوق)''

في ظل نظرية العقد الاجتماعي،كان التصور الوحيد للمجتمع و التجانس الاجتماعي هو في إطار الدولة ،و يمكن بسهولة تفهم السياق الذي انتج هذه التصورات:الحروب الدينية في أوروبا،الفوضى الاجتماعية و الصراعات الأميرية(الإمارة) بين مختلف الإمارات قبل تشكل الدولة،كان من الطبيعي أن ننتظر توقا اجتماعيا و سياسيا إلى الهدوء و السكينة و قد وجد كل من( طوماس هوبس،و جون جاك روسو) ''في الدولة التي تأسست بموجب العقد الاجتماعي بين الأفراد و الجماعات،حلا لمعظلة الفوضى الاجتماعية و السياسية، فقط سلطة قوية تمتلك كل الصلاحيات و التفويض من قبل المتعاقدين قادرة على فرض النظام الاجتماعي.''

أما تصورات ''آدم سميث''،فهي بدورها يمكن فهما في السياق الإنجليزي الذي جاءت فيه،فهي أولا:جاءت في فترة إزدهار اقتصادي و هدوء للحرب الأهلية الإنجليزية،أي بعد ظهور فكر'' طوماس هوبس'' بسنوات كثيرة....و بعد نضوج جهاز الدولة إلى حد ما، حيث ظهرت فكرة فشل العقد الاجتماعي،

و حان الوقت للبحث عن حامل جديد للرابط الاجتماعي وجد ''آدم سميث'' في السوق العنصر الأساسي الأكثر حيادية لإنتاج المجتمع،بل أن المجتمع ي عصر و فكر ''آدم سميث'' هو السوق.

إذن السوق هي إجابة إقتصادية على سؤال الرابط الاجتماعي عند ''آدم سميث'':

محور الرابط الاجتماعي في المجتمع الجزائري

1-الرابط الاجتماعي داخل الفضاء العائلي:

-مقدمة:

عرف المجتمع الجزائري عدة تحولات بنائية غاية في العمق،أدت إلى إنتاج عدة أشكال جديدة و مختلفة من التنظيمات الأسرية العائلية ،تميزها علاقات متجددة بين أفرادها أيضا.

أثناء الاستعمار الفرنسي و ما قبله كانت العائلة الجزائرية عائلة أبوية،أي ترتكز السلطة في الأبوة و من يمثلها من الذكور(الأبناء و الأعمام) ،حيث كان الجميع يساهم في القرار الأسري أو العائلي و التربية الأسرية.........أما في الفترة التي تلت نيل الجزائر للاستقلال فقد طرأت عدة تغيرات لشكل الأسرة الجزائرية الذي كان أبويا متعدد الأطراف في التربية و السلطة الأسرية العائلية .كيف حدث ذلك ؟ و هل حدث فعلا ؟ أو بقى ذلك الشكل لكن تحت غطاء صفات أخرى  و أشكال مختلفة؟.......

بينت الدراسات الاجتماعية و الانثروبولوجية أن العائلة الأبوية تركت المكان لظهور عدة أشكال جديدة للتنظيم الأسري،ربما أهمها الأسرة الممتدة والأسرة النووية التي تعيد انتاج كل منها إنتاج نفسها و العامل المتحكم في ذلك هو العامل المادي ،حيث يمكن أن تتواجد هذه الأشكال الجديدة  كوحدات سكنية كبيرة أو مجموعات إستهلاكية تتكون من مجموعات من الأسر و العائلات،أو أسر نووية مستقلة في مساكنها  لكن تحتفظ بوحدة و قوة عائلية تتمحور أساسا على الوالدين لكن بمجرد رحيلهما تتلاشى و تزول تدريجيا.

بفضل ملاحظاتنا و معايشتنا لواقع الحياة اليومية في مجتمعنا، حاولنا بناء و تأسيس مجموعة من الفرضيات حول مصطلح الرابط الاجتماعي في الفضاء العائلي الأسري و كذلك لمعرفة و إدراك طبيعته داخل هذا الفضاء.

- و لعل أهمها تتركز على ديمومة أو زوال السلطة الأبوية و هيمنتها و تأثيرها و فعاليتها  على تشكل الروابط الأسرية و العائلية.

-و كذا رغم صعوبة الحياة العصرية المادية التي أفقدت السلطة و الثقافة الأبوية الكثير من تأثيرها و فعاليتها إلا أنها تتجلى في العديد من المرات حسب المصالح الفردية و مختلف الوضعيات الاجتماعية.

1-تحول الفضاء العائلي الجزائري من العائلية الأبوية إلى العائلة الممتدة:

رغم التغيرات و التأثيرات التي طرأت على العائلة الجزائرية منذ الاستقلال الى يومنا هذا نجدها تقاوم و تحاول التكيف و الاندماج و مقاومة الظروف المحيطة بها و ذلك بسعي أفرادها للحفاظ على القيم الأساسية لتأسيس الثقافة الأبوية.

1-1        المعايير التنظيمية للعائلة:

في المجتمعات المغاربية في فترة ما قبل الاستعمار كانت الجماعة الاجتماعية الأساسية المكونة للمجتمع و المهيكلة للتنظيم الاجتماعي المغاربي،هي تلك الجماعة التي يمارس فيها الثأر للدم ،و قد كانت العائلة و الفضاء العائلي عموما هو الوحدة الأساسية التي يمكن فيها تجاوز حالة تستدعي الثأر كانت هي الوحدة الاجتماعية عامة. حيث كانت تتكون من الأخوة، الأعمام ،و أبناء العم أو الأعمام.و الكل يعيش تحت سلطة الجد الأكبر و تحت سقف واحد.و انتماء نسبي واحد لنفس الأب.

يقول الباحث ''لهواري عدي'' بأن التنظيمات الأسرية و العائلية سمحت بتحديد مستويين للهوية:

-مستوى القبيلة:التي تمثل الرابط الأعلى للجماعة على مستوى القبيلة.

-مستوى العائلي: أحد أهم مكونات القبيلة.

كانت العائلة بمثابة الفضاء الحامل و الحاوي للرابط الاجتماعي لذلك سرعان ما تجلت القبيلة كمجرد امتداد لها و للفضاء العائلي، و بما أن العائلية تتميز بالأبوية و الفرد لن يكون له وجود باعتباره فرد مستقل ،فإن العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع القبلي ( الجماعات القبلية) يمكن اختزالها أو التعبير عنها بعلاقة رجل لرجل،أي علاقة قرابة بين رجلين.و يعبر على ذلك عن طريق المصاهرة ،التبادل الاقتصادي و التعاون الفلاحي و كل أشكال المعاملات و التبادلات الاجتماعية.....إن الرجل هو المحور الرئيسي للرابط الاجتماعي في المجتمعات القبلي التقليدي.

كان التقسيم الاجتماعي في القبيلة ضعيف ،لكنه كان متطورا في صفوف أو داخل القبيلة و بفضله كانت العائلة تعيد إنتاج نفسها بإنتاج ما تحتاج إليه عبر تقسيم المهام بين أفرادها .

كانت الأرض محور العلاقات بين أفراد العائلة و مصدر رزقهم  الأساسي لكن مع دخول الاسنعمار و ادخاله معه لبعض الأنظمة الإنتاجية الرأس مالية(و لو كانت محدودة)، بدأ بعض الأفراد داخل العائلة يحصل على موارد من خارج خدمة الأرض، و كانت تلك بمثابة بداية أولى لتحول شكل العلاقة السلطوية بداخلها لكن رغم ذلك ضلت الأرض الرأس مال الأساسي للعائلة.

تتجلى العائلة الجزائرية كوحدة أبوية خطية تتكون عادة من الأولاد الذكور المتزوجون يعيشون مع بعضهم البعض تحت سلطة واحدة هي سلطة الأب طبعا أثناء حياته، أو الأخ الأكبر بعد وفاة الأب،أو أحد الإخوة المعروفين بالحس العائلي و القدرة على تحمل المسؤولية.

إن رب العائلة هو الجد( الأب الأكبر) في حياته أو الإبن  الأكبر بعد وفاته.... و تكمن وظيفة رب العائلة في تقسيم الأعمال الفلاحية على الأبناء و تنظيم العلاقات مع العائلات الأخرى ،و حل الخلافات بين أفراد العائلة و الأقارب،و تمثيل العائلة أيضا في مختلف المناسبات داخل القبيلة أو خارجها.

إن مكانة العائلة بين العائلات الأخرى في القبيلة تتحدد من رأس مالها المادي و الرمزي،فإذا كان الرمزي يتمثل أساسا في النسب و نقاوة الدم،لأن الرأس مال المادي يتمثل في حجم الأراضي و قطيع المواشي الذي تملكه العائلة.و تستطيع به منافسة العائلات الأخرى في المناسبات المختلفة كلما قدمت العائلة عدد أكبر من الأضاحي للقبيلة في المناسبات و كم من أراضي تبرعت بها لبناء مسجد أو مقابر للقبيلة......و كلما تزايد الرأس مال الرمزي للعائلة كلما زادت مكانتها الاجتماعية داخل القبيلة.

مكانة الأفراد تتحدد بما تمتلكه العائلة من مكانة و سمعة و حضوتها التي تتحدد و ترتبط كذلك بدورها بما تمتلك من أراضي و مواشي و تجارة و على أساس هذه المكانة تتحدد علاقة العائلة بالعائلات الأخرى ، خاصة في مجال المصاهرة و الأنساب.

الإيديولوجية الأبوية تستمد شرعيتها و قوتها من هذه المعطيات الموضوعية و مسألة نقاوة و صفاء الدم و عراقة الأصل هي مجرد رساميل رمزية يتم اضافتها مع مرور الزمن على العائلات النافذة المالكة لتبرير سطوتها و هيمنتها و نفوذها.

2-إيديولوجية العائلة الأبوية:

تتكون إيديولوجية العائلة الأبوية من نسق القيم و المعايير الاجتماعية المجسدة في سلطة الرجل و أهمل محدد لسلطته هي في قدرته على أن يفرض على نسائه باستعمال العنف المادي  و الرمزي مع تمجيد النسب و الأسلاف و الأجداد .

ان الاحساس بالفخر الاجتماعي و الذي يعتبر محرك للوحدة العائلية لا يعني أو يمثل نساء العائلة بل فقط الذكور(الرجال) ،و المرأة بإعتبارها فردا تم نسبه الى العائلة عن طريق الزواج( في حالة الزوجة) و أنه فرد قد يغادر العائلة في أي لحظة ما ( في حالة البنت) مقصية تماما من هذا الرأس مال الرمزي إن المرأة في المجتمع الأبوي قد تعرض شرف و فخر العائلة في أي لحظة إلى التدنيس و التشويه،و لهذا فمن دون سلطة الرجل عليها لا يمكن أن تكون حارس للشرف.

ترى'' فاطمة المرنيسي'' الإنسان المغاربي عموما يعتقد بأن شرف العائلة يكمن في عفة المرأة (زوجة،أخت،بنت) و شرف العائلة مرتبط بسلوك المرأة لدرجة أنه يجوز اجتماعيا قتلها إذا ما تصرفت بطريقة تعرض هذا الشرف الى التدنيس و التشويه.

إن شرف الرجل مرتبط بعفة النساء اللواتي يقعن تحت سلطته ، و هذا ما يفسر حاليا جانبا مهما من العلاقات الصراعية داخل الفضاء العام حينما يتم التعرض إلى نساء بحضور أحد رجال العائلة.

إن النظام الاجتماعي في المجتمعات المغاربية  مهيكل حول ثنائية المرأة و الرجل و يمكن قراءة كل الفضاء الاجتماعي الذي تحتله الأبوة عبر مجموعة المؤشرات الملاحظة حول العلاقة بين الجنسين ،أي حول نزعة هذا المجتمع المغاربي إلى اسناد المرأة  دورا ثانويا في المجتمع، و هو فقط دور بيولوجي يضمن إعادة إنتاج العائلة و تكاثرها.

هذا الدور البيولوجي للمرأة جعل من العفة و الطهارة رأس مال رمزي بالنسبة للوحدة العائلية بين العائلات الأخرى.

تتباهى الوحدة العائلية في المجتمعات المغاربية بإنجابها و تربيتها لنساء عفيفات عذراوات ،يمكن تقديمها كزوجات للعائلات الأخرى، دون أي خوف على نقاوة دمها تتحدد أهمية العائلة المغاربية بمدى عفة نسائها ،بمدى استعدادهن للقيام بوظيفة المحافظة على نقاوة الدم العائلة الجديدة التي يتم تزويج البنت إليها.

تتحدد مدى كثافة علاقات عائلة معينة مع العائلات الأخرى ،بمدى قدرتها على توفير نساء عفيفات و هذه القدرة مرتبطة بدورها بمدى هيمنة الرجل على الفضاء العائلي و بسط نفوذه عليها.

إن نقاوة المرأة ليس معطى طبيعيا ،بل هو نتاج ممارسة الرجل لسلطته المطلقة و حراسته الدائمة على العائلة و من هنا،غالبا ما تتحدد عفة النساء بمكانة و سمعة الرجل في الفضاء العام في الفضاء العام داخل القبيلة أو العشيرة إنها علاقة جدلية ليس لها بداية و لا نهاية من يحدد مكانة الرجل و من ثم مكانة العائلة بين العائلات الأخرى؟هل عفة نسائها أم قوة رجالها و سلطتهم؟

إن هوس المجتمع حول عذرية المرأة من عدمه ناتج عن المكانة الرمزية لصفاء الدم و النسب للعائلة ....المغاربية خصوصا و الإسلامية عموما و الضامن الوحيد لصفاء الدم و النسب هو  امرأة عذراء لم يمسسها أي رجل من قبل إذن ليس هنالك ما يحدد قيمة المرأة إلا العذرية البيولوجية فقط و هذا هو الدور الوحيد المسند إليها.