مادة تقنيات إعداد البحوث العلمية

الدكتورة بغدادي ليندة

السنة الثانية جذع مشترك

المجموعة "أ"

إن التقدم الذي تشهده المجتمعات المتطورة قام أساسا على العلم كمنهج فكري وأسلوب للبحث وتفسير الظواهر بغية الوصول إلى الحقيقة، ولا يمكن إجراء البحوث والدراسات إلا باتباع منهجية وتقنيات علمية من مقدمة البحث إلى نهايته.

ترتبط المنهجية عموما بعلم القانون بمختلف فروعه،  فوظيفتها أن ينشأ لدى الطالب الأسلوب والطريقة في التعامل مع شتى الميادين التي يطرحها علم القانون. ولا شك أن إتّباع قواعد المنهجية ستُمكّن الطالب من اكتساب الأسلوب، والطريقة العلمية في التعامل مع مختلف المواضيع القانونية، وهي حقائق لا تتجسد في المحاضرات فقط، إنما يستوجب الأمر رصيدا منهجيا يساعده على استثمار إمكانياته لأنه قد يكون أمام مواضيع تأملية غير مباشرة لأن الاستيعاب لا يُؤتي أكله باتباع الطالب لأساليب عشوائية، إنما  يكون باعتماد أدوات، وطرق ناجحة تمكّنه من توظيف معلوماته بشكل حسن صحيح، وهنا يقتضي الوضع اعتماد قواعد البحث.

الموضوع الأول: مفهوم البحث العلمي

أولا: تعريف البحث العلمي

أعطيت العديد من التعاريف لكلمة "البحث"، وغالبيتها تدور حول اعتبارها وسيلة للاستعلام، والاستقصاء المنظم الدقيق، الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات وعلاقات جديدة، أو تطوير وتصحيح المعلومات الموجودة فعلا، بالاستعانة بخطوات المنهج العلمي.   

يقصد بمصطلح البحث في اللغة الطلب والتفتيش، والبحث جمع أبحاث وبحوث، بمعنى التمحيص التفتيش في موضوع ما، وفي المسائل المتعلقه به ومنع البحث العلمي. والبحث: هو الجهد الذي يبذله الباحث، تفتيشا، وتنقيبا، وتحقيقا، وتحليلا، ونقدا، ومقارنة، في موضوع ما، أو تأييد رأي ما، يتفق ورؤيته أو ميله.

يعرّف البحث العلميا بأنه: " نشاط علمي منظم وطريقة في التفكير وأسلوب للنظر في الظواهر من أجل معرفة الارتباط بين هذه الحقائق، ثم استخلاص المبادئ والقوانين التفسيرية".

ثانيا: خصائص البحث العلمي

1. البحث العلمي بحث منظم ومحدد باعتباره  نشاط منظم يحتوي على مجموعة من الخطوات المترابطة والمتكاملة.

2. البحث العلمي بحث حركي وتجديدي كونه يبحث دائما عن تجديد المعرفة عن طريق الإضافة والتعديل.

3. البحث العلمي بحث تفسيري لأنه يستخدم المعرفة لتفسير الظواهر من خلال البيانات التي يجمعها عن موضوع الدراسة.

4.   البحث العلمي قابل للتعميم

5. البحث العلمي يجمع بين النظرية والتطبيق فهو من جهة ينطلق في الإطار النظري المحدد له ويستعين الباحث فيه بما اكتسبه ومن جهة أخرى فهو بحث ميداني لأنه يهدف غلى اختيار الموضوع والفروض وجمع البيانات المتعلقة بالموضوع ميدانيا.

ثالثا: أنواع البحوث العلمية

تتنوع البحوث والدراسات العلمية على أساس معالجتها للحقائق والظواهر والأمور،  وعلى أساس النتائج  العلمية التي تتوصل إليها البحوث، ويمكن أن نميز في هذا الصدد بين:

1.   البحث التنقيبي والاستكشافي للحقائق

هي عملية عقلية تؤدي إلى اكتشاف حقائق جزئية معينة، عن طريق إجراء الاختبارات والتجارب العلمية، وهذا النوع من البحوث يتضمن التنقيب عن حقائق معينة دون محاولة التعميم أو استخدام هذه الحقائق في حل مشكلة معينة. فعندما يقوم العالم الطبي في معمله باختبار تأثير دواء جديد للقضاء على أنوع مختلفة من الجراثيم ثم يسجل النتائج التي يلاحظها عن هذا العقار في الجراثيم، والمدة التي حدث بعدها التأثير، والمحلول الذي تتم فيه العملية بفعالية أكبر...إلخ فإن هذا العالم يتعلم من هذا الإجراء الذي قام به عدة حقائق تتعلق بتجربة العقار أو الدواء على الجراثيم في ظروف معينة.

وكمثال آخر الطالب الذي يقوم بتجميع بيبيوغرافيا بجميع الكتب والمقالات المنشورة عن موضوع معين، أو إعداد قاموس بلغة معينة ، فهذه النشاطات التي تتضمن إعداد سجل بالحقائق بموقف معين هي نشاطات يقوم بها الباحث على مستوى البحث بمعنى التنقيب عن الحقائق والحصول عليها. وعندما يقوم الباحث بخطوة أكثر من مجرد تجميع الحقائق والتنقيب عنها والحصول عليها وذلك بمحاولة التعميم الذي يستند على هذه الحقائق يكون بذلك قد انتقل إلى شكل آخر من أشكال البحوث.

2.   البحث التفسيري النقدي

يعتمد هذه البحوث إلى حد كبير على التدليل المنطقي وذلك للوصول إلى حلول المشاكل. تطبق هذه الطريقة عادة عندما تتعلق المشكلة بالأفكار أكثر من تعلقها بالحقائق، ففي بعض المجالات (كالفلسفة والأدب) يتناول الباحث الأفكار أكثر مما يتناول الحقائق. وبالتالي فإن البحث يمكن أن يحتوي بدرجة كبيرة على التفسير النقدي لهذه الأفكار. نستخدم في هذا النوع من البحوث وسائل أساسية مثل حدة النظر والخبرة والمنطق. يجب أن تتوفر في التفسير النقدي ثلاثة جوانب على الأقل:

- أن تعتمد المناقشة أو تتفق على الأقل مع الحقائق والمبادئ المعروفة في المجال الذي يقوم الباحث بدراسته.

- يجب أن تكون الحجج والمناقشات التي يقدمها الباحث في التفسير النقدي واضحة ومعقولة( منطقية).

- من المتوقع أن يؤدي التفسير النقدي إلى بعض التعميمات والنتائج، بمعنى أن نتيجة هذا البحث هو الرأي الراجح الذي يقدمه الباحث كحل للمشكلة التي يتناولها بالدراسة.

3. البحث الكامل: هو البحث العلمي الذي يهدف إلى حل المشكلات حلا كاملا وشاملا، ويستهدف وضع القوانين والتعليمات بعد التنقيب الدقيق والشامل لجميع الحقائق المتعلقة بالمشكلة.

ويشترط في البحث الكامل أن تتوفر فيه الشروط التالية:

- أن تكون هناك مشكلة تستدعي الحل.

- وجود الدليل الذي يحتوي عادة على الحقائق التي تم إثباتها، وقد يحتوي الدليل على رأي الخبراء.

- التحليل الدقيق للدليل وتصنيفه.

- استخدام العقل والمنطق لترتيب الدليل في حجج أو إثباتات حقيقية يمكن أن تؤدي إلى حل المشكلة.

- الحل المحدد وهو يعد إجابة على السؤال أو المشكلة التي تواجه الباحث.

4. البحث العلمي الاستطلاعي: هو البحث الذي يهدف إلى التعرف على المشكلة فقط، وتقوم الحاجة إلى هذا النوع من البحوث عندما تكون المشكلة أو الموضوع جديد ولم يسبق اكتشافه.

5. البحث الوصفي التشخيصي: هو البحث الذي يهدف إلى تحديد سمات وخصائص ومقومات ظاهرة معينة تحديدا كميا ونوعيا. وأهداف هذه البحوث جزئية ومحدودة تقتصر أساسا على تشخيص سمات شيء ما كما هو في الواقع.

6. البحث التجريبي: هو البحث الذي يقوم على أساس الملاحظة والتجارب الدقيقة لإثبات صحة الفروض المطروحة في البحث، عن طريق استعمال قوانين علمية عامة لتفسير وضبط المشكلات والظواهر.

رابعا: أهداف البحث العلمي

يهدف البحث العلمي أساسا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف نورد البعض منها على سبيل المثال لا الحصر فيما يلي:

-      إثراء معلومات الطالب في مواضيع معينة.

-      الاعتماد على النفس في دراسة المواضيع وإصدار الأحكام بشأنها.

-      اتباع الأساليب والقواعد العلمية المعتمدة في كتابة البحث.

-      إظهار المقدرة على التعبير في استعمال الكلمات المناسبة.

-      استعمال الكتب والوثائق سلاحا للمعرفة وإثراء المعلومات.

-      التعود على معالجة المواضيع بموضوعية ونزاهة.

-      التخلص من ظاهرة كسل العقل وتعويده على التفكير والعمل بانتظام.

-      تحصين النفس ضد الجهل والتعود على القراءة قبل المناقشة.