المحاضرة رقم 04 في مقياس القانون الاقتصادي العام

السنة الثالثة ليسانس قانون عام (السداسي السادس)

 

الدكتور لكحل صالح

كلية الحقوق والعلوم السياسية

 

عنوان المحاضرة

 تحرير الاستثمار في الجزائر

 

أدركت الجزائر كدولة نامية بأن النهوض باقتصادها لن يتم ببقائها معزولة خارج السياق العالمي، حيث وفي ظلّ خصائص وتطورات النظام الاقتصادي العالمي الجديد أصبحت تعتبر طرف متأثر ومؤثر فيه، ممّا أدّى بالسلطات العمومية إلى اتّـخاذ مجموعة من الإجراءات تؤكّـد على حتمية انفتاح الدولة على الاقتصاد العالمي وهذا بمساهمة مختلف الهيئات الدولية التي يمكن اعتبارها بمثابة آليات الاندماج في الاقتصاد العالمي. ولأجل ذلك، بادرت السلطات العمومية إلى وضع الإصلاحات الاقتصادية اللاّزمة والهادفة لتراجع الدولة عن تدخلها في الحقل الاقتصادي مقابل فتح مجال الاستثمار لصالح المبادرة الخاصة.       

المطلب الأول

فتح مجال الاستثمار لصالح المبادرة الخاصة

 

عرف الاستثمار في ظلّ التسيير الاشتراكي للاقتصاد الإقصاء بحيث لم يسمح له التدخل إلاّ في قطاعات هامشية، إلى جانب خضوعه للرقابة الشديدة. ونظرًا لأزمة المديونية التي عاشتها الجزائر، تبنّت السلطات العمومية إصلاحات اقتصادية تهدف إلى التخلي عن الاقتراض واللجوء إلى أسلوب آخر يتمثل في ترقية الاستثمار للحصول على رؤوس الأموال للتخلص من مخاطر المديونية.

توّج ذلك المسعى بصدور المرسوم التشريعي رقم 93-12، المتعلق بترقية الاستثمار، الذي كرس مبدأ حرية الاستثمار الوطني والأجنبي، حيث نصت المادة 3 منه صراحة أنه : « تنجز الاستثمارات بكل حرية...». وفي سنة 2001، ألغي هذا المرسوم التشريعي واستبدل بالأمر رقم 01-03، المتعلق بتطوير الاستثمار، المعدل والمتمم في 2006، والذي ألغي في مرحلة لاحقة ليستبدل بالقانون رقم 16-09، المتعلق بترقية الاستثمار(المطلب الأول). غير أن الملاحظ في هذا المقام، أن تفعيل سياسة الاستثمار يجب أن تتبع بضمان حرية التنافس من الممارسات التي من شأنها أن تقيّد المنافسة في ظلّ المصالح المتضاربة للأعوان الاقتصاديين (المطلب الثاني).

 

الفرع الأول

ترقية وتشجيع الاستثمار الخاص

 

أصبح القطاع الخاص يعتبر شريكًا إلى جانب الدولة في بناء الاقتصاد الوطني. وعلى إثر ذلك، عملت السلطات العمومية على ترقية وتشجيع الاستثمار لينتقل وضع مركز القطاع الخاص من مرحلة التهميش والإقصاء في ظلّ نظام احتكاري تميّـز بسيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي إلى مرحلة إقرار حرية المبادرة في ظلّ نظام تنافسي يعترف بمبدأ حرية الاستثمار والتجارة. ولذلك، يتعين البحث عن مجال تطبيق الاستثمار الجديد لسنة 2016 (أولا)، ثم الكشف عن الحماية والضمانات التي يوفرها للمستثمرين من أجل معرفة مدى تفعيل سياسة استقطاب وجذب رؤوس الأموال خاصة الأجنبية (ثانيا).

 

أولا- مجال تطبيق قانون الاستثمار

 

يتّضح من خلال المادة الأولى من القانون رقم 16-09، المتعلق بترقية الاستثمار لسنة 2016، بأن هذا الأخير يطبّق على الاستثمارات الوطنية والأجنبية المنجزة في النشاطات الاقتصادية لإنتاج السّلع والخدمات.

غير أنه نتساءل في هذا الصّدد لماذا يستبعد المشرّع من مجال تطبيق القانون رقم 16-09، المذكور أعلاه، الاستثمارات التي تنجز في إطار منح الامتياز و/أو الرخصة، بحيث أبقى فقط على الاستثمارات الوطنية والأجنبية المنجزة في النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع والخدمات، حيث تنص المادة الأولى من منه على أنه: « يهدف هذا القانون إلى تحديد النظام المطبق على الاستثمارات الوطنية والأجنبية المنجزة في النشاطات الاقتصادية لإنتاج السلع والخدمات »، وذلك على خلاف الأمر رقم 01-03، المتعلق بتطوير الاستثمار، الذي اعتبر الامتياز أحد أوجه الاستثمارات الوطنية والأجنبية إلى جانب النشاطات الاقتصادية المنتجة للسلع والخدمات ؟ خاصة وأن الكثير من النشاطات المرفقية التي تمّ تحريرها لصالح القطاع الخاص تخضع لنظام الامتياز و/أو الرخصة كما هو الحال بالنسبة لقطاع البريد والاتصالات الالكترونية وقطاع الطاقة.

وأما المادة 2 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر، تشير إلى أن الاستثمار يقصد به سواء:

-       اقتناء أصول تندرج في إطار استحداث نشاطات جديدة، وتوسيع قدرات الانتاج و/أو إعادة التأهيل، أو إعادة التأهيل.

-        المساهمات في رأسمال شركة.

ويلاحظ من جهة أخرى من خلال المادة 3 من قانون ترقية الاستثمار لسنة 2016 بأن الاستثمارات المذكورة في أحكام هذا القانون وإن كانت تنجز بحرية، فإن ذلك يكون في ظلّ احترام القوانين والتنظيمات المعمول بها، لاسيما تلك المتعلقة بحماية البيئة، وبالنشاطات والمهن المقنّنة، وبصفة عامة بممارسة النشاطات الاقتصادية.

وأما بخصوص الجانب الإجرائي للاستثمار، فكان في السّابق متوقف على الحصول على اعتماد مسبق كإجراء إلزامي قبل إنجاز أي مشروع استثماري، حيث كلن هذا الإجراء بمثابة آلية لممارسة الرقابة على الاستثمار الخاص وإن كانت طرق التعبير عنها قد تباينت من قانون لآخر، إلا أنها أجمعت على رفض مبدأ حرية الاستثمار وأنه لا يمكن إنجاز اي استثمار إلا بعد الحصول على اعتماد مسبق.

ولكن بمناسبة صدور المرسوم التشريعي رقم 93-12 المتعلق بترقية الاستثمار، تمّ استبدال الاعتماد المسبق بإجراء مرن هو التصريح البسيط بالاستثمار لدى وكالة ترقية الاستثمارات ودعمها ومتابعتها Agence de promotion, de soutien et de suivi des investissements، حيث نصت المادة 3 من المرسوم التشريعي رقم 93-12 سالف الذكر على أنه: » تنجز الاستثمارات بكل حرية مع مراعاة التشريع والتنظيم المتعلق بالأنشطة المقننة.

وتكون هذه الاستثمارات، قبل إنجازها، موضوع تصريح بالاستثمار لدى الوكالة المذكورة أدناه «. وبالفعل أشارت المادة 7 منه على أنه: » تنشأ لدى رئيس الحكومة وكالة لترقية الاستثمارات ودعمها ومتابعتها ويشار إليها فيما يلي " بالوكالة " «.  

وفي مرحلة لاحقة استبدلت هذه الوكالة بالوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار Agence Nationale de Développement de l’Investissement  التي خوّلت لها صلاحيات تلقي التصريحات بالاستثمار، وذلك في ظلّ الأمر رقم 01-03، المتعلق بتطوير الاستثمار الملغى الذي جاء في المادة 6 منه على أنه: » تنشأ وكالة لتطوير الاستثمار تدعى في صلب النص " الوكالة " «.

وتم الاحتفاظ بالوكالة نفسها في القانون رقم 16-09، المتعلق بترقية الاستثمار. والملاحظ بأن القانون رقم 16-09 السّالف الذكر وبموجب المادة 4 منه، لا يميّـز بين المستثمر الوطني والمستثمر الأجنبي، ذلك أن جميع الاستثمارات قبل إنجازها، ومن أجل الاستفادة من المزايا المقرّرة في أحكام هذا القانون، تخضع للتسجيل لدى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار. وهذا ما يتّفق مع ما تضمنته المادة 21 منه: » مع مراعاة أحكام الاتفاقيات الثنائية والجهوية والمتعددة الأطراف الموقعة من قبل الدولة الجزائرية، يتلقى الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الأجانب معاملة منصفة وعادلة، فيما يخص الحقوق والواجبات المرتبطة باستثماراتهم «.

والجدير بالذكر في هذا المقام بأن مصطلح التصريح بالاستثمار استبدل بمصطلح تسجيل الاستثمار حيث يعدّ هو الآخر الإجراء المكتوب والذي من خلاله يُعبّـر المستثمر عن إرادته في إنجاز استثمار في نشاط اقتصادي لإنتاج السلع أو الخدمات يدخل ضمن مجال تطبيق القانون رقم 16-09، السّـالف الذكر.

ويتم تسجيل الاستثمار على أساس استمارة، تعتبر بمثابة شهادة تسجيل تقدّمها الهيئات اللامركزية للوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار وتحمل توقيع المستثمر. كما يتم تسجيل الاستثمار أمام الهيئة اللامركزية للوكالة التي يختارها المستثمر سواء بنفسه أو من قبل كل شخص يمثله بموجب وكالة مصادق عليها، وذلك وبناء على ما ورد في المرسوم التنفيذي رقم 17-102 المؤرخ في 5 مارس سنة 2017، يحدد كيفيات تسجيل الاستثمارات وكذا شكل ونتائج الشهادة المتعلقة بها،   

وبالرجوع إلى نص المادة من المرسوم التنفيذي رقم 17-102، السّالف الذكر فإنه: » لا يمكن أن  يكون التسجيل محل رفض إلا في الحالات المنصوص عليها في التشريع والتسريع المعمول بهما.

وفي حالة الإغفال أو الاختلاف بين المعلومات الواردة في الاستمارة وتلك الواردة في الوثائق المقدمة، يكون التسجيل محل رفض مؤقت في انتظار قيام المستثمر بالتعديلات اللازمة.

غير أنه في حالة ما إذا كان الإغفال أو الاختلاف يمكن التكفل به في نفس الجلسة، يقوم العون المكلف بتسجيل الاستثمار بتصحيحه على الفور، وذلك بعد موافقة المستثمر«.

وفي المقابل تؤكّد المادة 11 منه على أن الاستثمارات المتعلقة بالنشاطات الواقعة خارج مجال تطبيق القانون رقم 16-09، السّـالف الذكر، والنصوص التنظيمية المتّخذة لتطبيقه والواردة في القوائم السلبية أو التي لا تتوفر على الشروط الخاصة المحدّدة في التشريع والتنظيم المعمول بهما، محل تبليغ كتابي بالرفض المبرّر، المؤرخ والموقع من طرف مسؤول الوكالة المؤهل، في حين تشير المادة 12 من التنفيذي رقم 17-102، السّالف الذكر إلى أنه لا يشكّل عدم احترام المستولى الأدنى من الأموال الخاصة المحدّدة في المادة 25 من القانون رقم 16-09، السّـالف الذكر، سبباً للرفض. غير أنه يُمنع المستثمر من ضمان التحويل المنصوص عليه في المادة 25 من القانون نفسه.

نكتفي بهذا القدر وسنركز في المحاضرة المقبلة على موضوع " معاملة وحماية الاستثمار "