المحاضرتان 07 و08 في مقياس القانون الاقتصادي العام

السنة الثالثة ليسانس قانون عام (السداسي السادس)

 

الدكتور لكحل صالح

كلية الحقوق والعلوم السياسية

 

عنوان المحاضرة

معاملة وحماية الاستثمار

يقدّم القانون رقم 16-09، المتعلق بترقية الاستثمار مجموعة من الأنظمة الممنوحة لصالح المستثمر(أولا)، إلى جانب نظام الحماية القانونية (ثانيا).

أولا- نظام معاملة المستثمر

 

يعتبر مبدأ المساواة في معاملة المستثمر في المجال الاقتصادي نتاج تطبيق مساواة المرتفقين أمام التنظيمات والتدابير الاقتصادية وأمام سير المرافق العامة الاقتصادية. وبالرجوع إلى نص المادة 21 من قانون ترقية الاستثمار لسنة 2016، نجدها تكرّس مبدأ مساواة المستثمر الوطني مع المستثمر الأجنبي في مجال الاستثمار، حيث تنص صراحة: » مع مراعاة أحكام الاتفاقيات الثنائية والجهوية والمتعددة الأطراف الموقعة من قبل الدولة الجزائرية، يتلقى الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الأجانب معاملة منصفة وعادلة، فيما يخص الحقوق والواجبات المرتبطة باستثماراتهم «.

نجد من جهة أخرى بأنه على الرغم من تكريس مبدأ المساواة في معاملة المستثمر المكرّس وفقا للمادة 21 السّالفة الذكر، إلاّ أن قانون المالية لسنة 2016، يتعارض مع هذا المبدأ، ذلك أن المادة 66 منه، التي تنص صراحة على أنه: » ترتبط ممارسة الأجانب لأنشطة إنتاج السلع والخدمات والاستيراد بتأسيس شركة تحوز المساهمة الوطنية المقيمة على نسبة 51% من رأسمالها«.

وللتذكير، فإن قانون المالية التكميلي لسنة 2009، تعارض كذلك مع نص المادة 14 من قانون تطوير الاستثمار لسنة 2001، حيث أدرج في هذا الأخير المادة 4 مكرّر التي أشارت إلى أنه لا يمكن إنجاز الاستثمارات الأجنبية إلا في إطار شراكة تمثل فيها المساهمة الوطنية المقيمة نسبة 51% على الأقل من رأس المال الاجتماعي، بينما أكّدت المادة 4 مكرّر 2 أنه لا يمكن تحقيق الاستثمارات المنجزة من طرف الجزائريين المقيمين بالشراكة مع المؤسسات العمومية الاقتصادية إلاّ في إطار مساهمة دنيا من هذه المؤسسات تعادل أو تفوق 34 % من رأس المال الاجتماعي.

يميّز المشرّع بموجب قانون الاستثمار لسنة 2016 بين أربعة أنواع من الأنظمة المتعلقة بالمزايا الممنوحة لفائدة المستثمر. فالنوع الأول من هذه الأنظمة، يتمثل في المزايا المشتركة لكل الاستثمارات القابلة للاستفادة وذلك حسب ما ورد في المادة 12 منه، بحيث أنه علاوة على التحفيزات الجبائية وشبه الجبائية والجمركية المنصوص عليها في القانون العادي Droit commun، تستقيد الاستثمارات المعنية بالمزايا ممّا يأتي:

1. بعنوان مرحلة الإنجاز كما هو مذكور في المادة 20 من المزايا الآتية:

أ) الإعفاء من الحقوق الجمركية، فيما يخصّ السلع المستوردة التي تدخل مباشرة في إنجاز الاستثمار،

ب) الإعفاء من الرسم على القيمة المضافة، فيما يخصّ السلع والخدمات المستوردة أو المقتناة محليا التي تدخل مباشرة في إنجاز الاستثمار،

ج) الإعفاء من حقوق التسجيل والرسم على الإشهار العقاري ومبالغ الأملاك الوطنية المتضمنة حق الامتياز على الأملاك العقارية المبنية وغير المبنية الموجهة لإنجاز المشاريع الاستثمارية، وتطبق هذه المزايا على المدة الدنيا لحق الامتياز الممنوح،

ه) تخفيض بنسبة 90% من مبلغ الإتاوة الإيجارية السنوية المحدّدة من مصالح أملاك الدولة خلال فترة إنجاز الاستثمار،

و) الإعفاء لمدّة عشر (10) سنوات من الرسم العقاري على الملكيات العقارية التي تدخل في إطار الاستثمار، ابتداء من تاريخ الاقتناء،

ز) الإعفاء من حقوق التسجيل فيما يخصّ العقود التأسيسية للشركات والزيادات في رأس المال،

2. بعنوان مرحلة الاستغلال، حيث أنه بعد معاينة الشروع في مرحلة الاستغلال بناء على محضر تعدّه المصالح الجبائية بطلب من المستثمر، لمدّة ثلاث (3) سنوات، يستفيد المستثمر من المزايا الآتية: 

أ) الإعفاء من الضريبة على أرباح الشركات،

ب) الإعفاء من الرسم على النشاط المهني،

ج) تخفيض بنسبة 50% من مبلغ الإتاوة الإيجارية السنوية المحدّدة من قبل مصالح أملاك الدولة.

وأما النوع الثاني من الأنظمة، فيتمثل حسب المادة 13 من القانون رقم 16-09، المتعلق بترقية الاستثمار في المزايا المتعلقة بالاستثمارات المنجزة في المناطق المحدّدة قائمتها عن طريق التنظيم، التابعة لمناطق الجنوب والهضاب العليا، وكذا كل منطقة أخرى تتطلب تنميتها مساهمة خاصة من قبل الدولة، بحيث تستفيد هذه الاستثمارات مما يأتي:

1. بعنوان مرحلة الإنجاز، حيث أنه زيادة على المزايا المذكورة سابقا في الفقرة الأولى، البنود : أ، ب، ج، د، و، ز من المادة 12 السّالفة الذكر، ممّا يأتي:

أ) تتكفل الدولة كليا أو جزئيا، بنفقات الأشغال المتعلقة بالمنشآت الأساسية الضرورية لإنجاز الاستثمار، وذلك بعد تقييمها من قبل الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار،

ب) التخفيض من مبلغ الإتاوة الإيجارية السنوية المحدّدة من قبل مصالح أملاك الدولة، بعنوان منح الأراضي عن طريق الامتياز من أجل إنجاز مشاريع استثمارية،

- بالدينار الرمزي للمتر المربع (م2) خلال فترة عشر (10) سنوات، وترتفع بعد هذه الفترة إلى 50% من مبلغ إتاوة أملاك الدولة بالنسبة للمشاريع الاستثمارية المقامة في المناطق التابعة للهضاب العليا، وكذا المناطق الأخرى التي تتطلب تنميتها مساهمة خاصة من قبل الدولة،

- بالدينار الرمزي للمتر المربع (م2) خلال فترة خمس عشرة (15) سنة، وترتفع بعد هذه الفترة إلى 50% من مبلغ إتاوة أملاك الدولة بالنسبة للمشاريع الاستثمارية المقامة في ولايات الجنوب الكبير.

2. بعنوان مرحلة الاستغلال، حيث يستفيد المستثمر من المزايا المنصوص عليها في الفقرة 2، البندان : أ، ب من المادة 12 السّالفة الذكر، لمدّة عشر (10) سنوات، ابتداء من تاريخ الشروع في مرحبة الاستغلال والمحدّدة في محضر المعاينة الذي تعدّه المصالح الجبائية، بناء على طلب المستثمر.

وأما النوع الثالث من الأنظمة، أشارت إليه المادة 15 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر، حيث يتمثل في المزايا الإضافية لفائدة النشاطات ذات الامتياز و/أو المنشئة لمناصب الشغل. فالمزايا المحدّدة بموجب المواد 12 و13 منه، لا تلغي التحفيزات الجبائية والمالية الخاصة، المحدثة بموجب التشريع المعمول به، لفائدة النشاطات السياحية والنشاطات الصناعية والنشاطات الفلاحية.

يلاحظ من جهة أخرى بأنه لا يؤدّي وجود عدّة مزايا من طبيعة واحدة المنشأة بموجب التشريع المعمول به مع تلك المنصوص عليها في قانون ترقية الاستثمار، إلى تطبيقها معًا. وفي هذه الحالة، يستفيد المستثمر من التحفيز الأفضل.

تضيف المادة 16 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر، بأن مزايا الاستغلال الممنوحة لفائدة الاستثمارات المنجزة خارج المناطق المذكورة في المادة 13 منه (مناطق الجنوب والهضاب العليا، وكذا كل منطقة أخرى تتطلب تنميتها مساهمة خاصة من قبل الدولة)، ترفع مدّتها من ثلاث (3) سنوات إلى خمس (5) سنوات عندما تنشئ أكثر من مائة (100) منصب شغل دائم، وذلك خلال الفترة الممتدة من تاريخ تسجيل الاستثمار إلى غاية نهاية السنة الأولى من مرحلة الاستغلال، على الأكثر.

وأما النوع الرابع من الأنظمة، ذكرتها المادة 17 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر، ويتعلق الأمر بالمزايا الاستثنائية الممنوحة لفائدة الاستثمارات ذات الأهمية الخاصة للاقتصاد الوطني، والمعدّة على أساس اتفاقية متفاوض عليها بين المستثمر والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار التي تتصرف باسم الدولة.

وبناء على مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 18 منه، يمكن أن تتضمن هذه المزايا الاستثنائية ما يأتي:

-       تمديد مدّة مزايا الاستغلال المذكورة في المادة 12، لفترة يمكن أن تصل إلى عشر (10) سنوات،

-       منح إعفاء أو تخفيض طبقا للتشريع المعمول به، للحقوق الجمركية والجبائية والرسوم وغيرها من الاقتطاعات الأخرى ذات الطابع الجبائي والإعانات أو المساعدات أو الدعم المالي، وكذا كل التسهيلات التي قد تمنح، بعنوان مرحلة الإنجاز، للمدة المتفق عليها حسب أحكام المادة 20.

ثانيا- نظام حماية المستثمر

       كرّس المشرّع بموجب القانون رقم 16-09، المتعلق بترقية الاستثمار، مجموعة من الضمانات القانونية المتعلقة بالاستثمار، نبيّنها فيما يلي:

1. تكرّس المادة 22 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر مبدأ الاستقرار أو الثبات القانوني، حيث يستفيد المستثمر من شرط التجميد التشريعي الذي يسمح له الاستفادة من أحكام القانون الواجب التطبيق يوم إنجاز مشروعه، حتّى في حالة إلغاء ذلك القانون أو تعديله، إلاّ إذا طلب المستثمر ذلك صراحة. والهدف من ذلك يكمن في تحقيق الاستقرار التشريعي الذي يسمح للمستثمر مزاولة نشاطه في إطار الحقوق والامتيازات المتفق عليها والنظام التفصيلي الذي استفاد منه.

2. تكريس الحماية لحق الملكية، حيث يستفيد المستثمر من نص المادة 64/1 من دستور 1996، التي تؤكّد على أن الملكية الخاصة مضمونة. فزيادة على القواعد التي تحكم نزع الملكية، لا يمكن أن تكون الاستثمارات المنجزة موضوع استيلاء إلاّ في الحالات المنصوص عليها في التشريع المعمول به. ويترتّب على هذا الاستيلاء ونزع الملكية تعويض عادل ومنصف، وذلك حسب المادة 23 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر.  

وفضلاً عن ذلك، فإنه إذا كان الحق في الاستيلاء على الملكية الخاصة كالتأميم ونزع الملكية من بين المسائل المتّفق عليها فقها وقضاء، فإن ممارسة هذا الحق يخضع لمجموعة من القواعد القانونية في تنظيم العلاقات بين البلدان المصنّعة والبلدان المستقبلة لرؤوس الأموال الأجنبية. ولقد ساهمت المحاكم وهيئات التحكيم الدولية في إرساء هذه القواعد المكرّسة في الاتفاقيات الدولية الثنائية ومتعدّدة الأطراف.   

3. تسوية الخلافات والنزاعات بين الدولة والمستثمر الأجنبي يكون أمام الجهات القضائية المختصّة إقليميًا، إلاّ إذا كان هنالك اتّفاقات ثنائية أو متعدّدة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائرية تتعلق بالمصالحة والتحكيم، أو في حالة وجود اتّفاق مع المستثمر ينص على بند تسوية يسمح للطرفين على تحكيم خاص. فالمادة 24 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر صريحة في هذا الشأن بنصها على أنه: » يخضع كل خلاف بين المستثمر الأجنبي والدولة الجزائرية يتسبب فيه المستثمر، أو يكون بسبب إجراء اتخذته الدولة الجزائرية في حقه، للجهات القضائية الجزائرية المختصة إقليميا، إلا في حالة وجود اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أبرمتها الدولة الجزائرية تتعلق بالمصالحة والتحكيم، أو في حالة وجود اتفاق مع المستثمر ينص على بند تسوية يسمح للطرفين بالاتفاق على تحكيم خاص «.

4. تكريس ضمان تحويل رؤوس الأموال المستثمرة والعائدات الناجمة، حيث تستفيد من ذلك وفقا لمقتضيات المادة 25 من القانون رقم 16-09، السّالف الذكر، الاستثمارات المنجزة انطلاقا من تقديم حصص من رأسمال في شكل حصص نقدية مستوردة عبر الطريق المصرفي، ومدوّنة بعملة حرة التحويل يسعرها بنك الجزائر بانتظام، ويتم التنازل عنها لصالحه، والتي تساوي قيمتها أو تفوق السقف الدنيا المحدّدة حسب التكلفة الكلّية للمشروع.

كما تقبل حصص خارجية، إعادة الاستثمار في الرأسمال للفوائد وأرباح الأسهم المصرح بقابليتها للتحويل طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما.

ويطبق ضمان التحويل وكذا الأسقف الدنيا المذكورة أعلاه، على الحصص العينية المنجزة حسب الأشكال المنصوص في التشريع المعمول به، بشرط أن يكون مصدرها خارجيا، وأن تكون محل تقييم طبقا للقواعد والإجراءات التي تحكم الشركات.

وتجدر الإشارة أخيراً، إلى أن ضمان تلك التحويلات يتضمن كذلك المداخيل الحقيقية الصافية الناتجة عن التنازل وتصفية الاستثمارات ذات مصدر أجنبي حتى وإن كان مبلغها يفوق الرأسمال المستثمر في البداية.