ا.د عطاب حميمي

مقياس التربية البيئية

السنة الثالثة تربية خاصة

 

 

المحاضرة الاولى:

مفهوم التربية البيئية

 

ما هو مفهوم التربية البيئية وما الذي تسعى إليه ؟

عرفت جامعة أليوني الأمريكية التربية البيئية Environmental Education بأنها نمط من التربية يهدف الى معرفة القيم وتوضيح المفاهيم وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وثقافته وبيئته البيوفيزيائية. كما إنها تعني التمرس على إتخاذ القرارات ووضع قانون للسلوك بشأن المسائل المتعلقة بنوعية البيئة.

    وعرفها القانون العام للولايات المتحدة بإنها عملية تعليمية تعني بالعلاقات بين الإنسان والطبيعة، وتشمل علاقة السكان والتلوث، وتعدد السكان والتلوث، وتوزيع الموارد، وإستنفاذها، وصونها، والنقل، والتكنولوجيا، والتخطيط الحضري والريفي مع البيئة البشرية الكلية.

   وتُعرف التربية البيئية أيضاً بأنها:

 * التعلم من أجل فهم وتقدير النظم البيئية بكليتها، والعمل معها وتعزيزها.

 * التعلم للتبصر بالصورة الكلية المحيطة بمشكلة بيئية بعينها من نشأتها ومنظوراتها وإقتصادياتها وثقافاتها والعمليات الطبيعية التي تسببها والحلول والمقترحة للتغلب عليها.

 * أنها تعلم كيفية إدارة وتحسين العلاقات في الإنسان وبيئته بشمولية وتعزيز. وهي تعلم كيفية إستخدام التقنيات الحديثة وزيادة إنتاجيتها، وتجنب المخاطر البيئية، وإزالة العطب البيئي القائم، وإتخاذ القرارات البيئية العقلانية.

 * عملية تكوين القيم والإتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضاراته بمحيطه الحيوي الفيزيقي والمحافظة على مصادر البيئة.

والتربية- من وجهة نظر الأستاذين رشيد الحمد ومحمد صباريني- هي عملية بناء وتنمية للإتجاهات والمفاهيم والمهارات والقدرات والقيم عند الأفراد في إتجاه معين لتحقيق أهداف مرجوة. والتربية بذلك تكون بمثابة إستثمار للموارد البشرية يعطي مردوداً ديناميكياً في حياة الأفراد وتنمية المجتمعات. وفي هذا المفهوم للتربية، فان التربية البيئية هي عملية تكوين القيم والإتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته بالبيئة التي يحيا بها، وتوضيح حتمية المحافظة على موارد البيئة ضرورة حسن إستغلالها لصالح الإنسان، وحفاظاً على حياته الكريمة ، ورفع مستويات معيشته.

أما التربية البيئية فهي، باختصار، الجانب من التربية، الذي يساعد الناس على العيش بنجاح على كوكب الأرض، وهو ما يعرف بالمنحى البيئي للتربية. كما تعرف التربية البيئية على أنها تعلم كيفية إدارة وتحسين العلاقات بين الإنسان وبيئته بشمولية وتعزيز.وتعني التربية البيئية ايضاً تعلم كيفية إستخدام التقنيات الحديثة وزيادة إنتاجيتها، وتجنب المخاطر البيئية، وإزالة العطب البيئي القائم، واتخاذ القرارات البيئية العقلانية.

وتُعد التربية البيئية  إتجاهاً وفكراً وفلسفة، هدفها  تسليح الإنسان في شتى أرجاء العالم بـ (خلق بيئي) أو ( ضمير بيئي) يحدد سلوكه وهو يتعامل مع البيئة في أي مجال من مجالاتها.." الخلق البيئي" يجب ان يكون العامل المؤثر في إتخاذ القرارات البيئية مهما كان مستواها.. بناء مدينة، أو إنشاء جسر، أو شق طريق، أو بناء سد، أو إقامة مصنع، أو إصطياد سمك في نهر، أو التخلص من القمامة المنزلية،أو التنزه على شاطئ البحر أو في حديقة عامة..وحتى القرارات الأكبر على المستوى السياسي والإقتصادي، يجب ان تحسب حساباً للبيئة في إطارها العالمي لأن المصالح البشرية واحدة، ومستقبل الجنس البشري واحد.. " الخلق البيئي" معناه ان يعي الإنسان  الوحدة والتكامل البيئي في عالمنا المعاصر، حيث يمكن ان تترتب على القرارات التي تتخذها البلاد المختلفة، وعلى مناهج سلوكها، اَثار على النطاق الدولي.. الخلق البيئي أو الضمير البيئي الذي تهدف التربية البيئية الى إيجاده أو تنميته عند كل إنسان في المجتمع العالمي، يعني أن يتكيف الإنسان من أجل البيئة، لا ان يستمر في تكييف البيئة من أجله-  الخلق البيئي،بإختصار، معناه " التعايش مع البيئة"، وبذلك تسهم التربية البيئية في حماية البيئة...

 

وتسعى التربية البيئية- بحسب الأستاذ راتب السعود - الى إعداد الأفراد ليكونوا متوافقين مع بيئتهم، ويتمثل ذلك في تعليم الفرد كي يكون قادراً على القراءة والكتابة Literate وفهم الأرقام، وإستعمالها Numerate  وفهم نظم البيئة الطبيعية المعقدة التي هو جزء منها، وإستخدامها بمسؤولية وتعزيز Ecolate. ويعتبر الشرط الأخير من خصائص الإنسان المربي Educated الهدف الأساسي للتربية البيئية التي تسعى الى إعداد الفرد الإنساني للعيش الآمن في كوكب الأرض. ومن هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين التربية والبيئة، والتي أفرزت مجالاً تربوياً له أصوله ومبرراته وفلسفته وأهدافه ومحتواه ومستلزمات تعليمه وتقويمه، ألا وهو التربية البيئية Environmental Education.                    

    الى ذلك يضيف الأستاذان الحمد وصباريني بان التربية البيئية تسعى الى إيجاد وعي وطني بأهمية البيئة بالنسبة لمتطلبات التنمية الأقتصادية والإجتماعية والثقافية بحيث تؤدي الى إشراك السكان كافة طوعاً لا كرهاً، وبطريقة مسؤولة وفعالة، في صياغة القرارات التي تمس نوعية البيئة بكافة مكوناتها.وتهدف التربية البيئة أخيراً الى إيجاد وعي على أهمية التكامل البيئي في العالم المعاصر.

ويدعو الأستاذان بشير عربيات و أيمن  مزاهرة الى التفريق بين التثقيف البيئي والتوعية البيئية. فالأول غير الثاني.وإذا كان الوعي البيئي يندرج في سياق حملات الإرشاد السريعة، فالتثقيف أو التربية البيئية هي أحد علوم البيئة المتعددة العناوين والمراحل، والذي يقتضي له برامج متخصصة ضمن جداول زمنية يشارك فيها الجميع بدون إستثناء كل من نطلق عمله وطموحاته.

 

 

 

 

المحاضرة الثانية:

لمحات من مسيرة التربية البيئية وتطورها

 

 

تعكس الأدبيات المتوفرة التي تتناول مسيرة التربية البيئية وجهتي نظر تختلفان قليلاً، وهما:

وجهة النظر الأولى، ويتبناها العديد من الباحثين، ومنهم الأستاذة رشيد الحمد وحمد صباريني وعصام الحناوي، وغيرهم،وتؤكد بان "التربية البيئية" ليست حديثة العهد، وإنما لها أصولها القديمة، لكنها إكتسبت أهمية أكبر في الآونة الأخيرة نتيجة لأنبثاق الوعي بالمشكلات البيئية الكبرى.. كالمشكلة السكانية، ومشكلة الطاقة، ومشكلة الغذاء، ومشكلة التلوث، ومشكلة إستنزاف الموارد..الخ.

     ووفقاً لوجهة النظر هذه، ظل مفهوم التربية البيئة وثيق الصلة في تطوره بمفهوم البيئة ذاتها وبالطريقة التي كان ينظر بها اليها.وقد إنتقل من نظرة الإقتصار، بصفة اساسية،على تناول البيئة من جوانبها البايولوجية والفيزيائية، الى مفهوم اوسع مدى، يتضمن جوانبها الأقتصادية والأجتماعية والثقافية. وقد بَرزَ ما يوحد بين هذه العوامل المختلفة من ترابط.. بيد ان التربية كانت دائماً ترتبط بالبيئة على نحو ما،ذلك لأن الإنسان كان يعد لمواجهة الحياة في المجتمعات القديمة، وحتى اليوم، في قطاعات كبيرة من سكان الريف، من خلال تجارب وثيقة الصلة بالطبيعة. وما برحت النظم التربوية الحديثة تتخذ لمناهجه، الى حد ما،أهدافاً ومضامين لها علاقة بالبيئة،حتى وان كانت تنظر اليها من جوانبها البايولوجية والفيزيائية بصفة اساسية.

     وكان ذلك هو واقع الحال، بوجه خاص، بالنسبة للمواد الدراسية المتصلة بعلوم الحياة، التي كان كل منها يُعالََج، علاوة على ذلك، بصورة منفصلة ودون تنسيق. وفي هذا الأطار التقليدي كان يًنتظر من الدارس ان يؤلف بين المهارات المكتسبة بنفسه، ويستخلص منها نظرة شاملة عن الواقع البيئي، ويدرك كنه العلاقات القائمة بين عناصره المتباينة.وقد كان هذا (التعلم) يتسم في الغالب بالتجريد والإنفصال عن الواقع البيئي الذي من المفروض ان يكون هدفاً للدراسة.كما كان يسرف في إقتصاره على تقديم بعض المعارف عن الطبيعة، متجاهلاً في كثير من الأحيان دوره في إحياء وتطوير سلوكه، والإحساس بالمسؤولية إزاء الطبيعة. ولم يكن مفهوم البيئة ذاته، وقد أختزل الى جوانبه الطبيعية وحدها، كافياً لتقدير الدور الذي يمكن للعلوم الإجتماعية ان تنهض به من أجل فهم البيئة البشرية وتحسينها.

وجهة النظر الثانية يجسدها إعتقاد سائد لدى الكثيرين، وفحواه ان المشكلات والقضايا البيئية هي مشكلات وقضايا عرفناها حديثاً- منذ منتصف القرن الماضي.الخبير البيئي الدولي  د.عصام الحناوي لا يتفق مع هذا الإعتقاد، مؤكداً بأن الدراسات العلمية المتعمقة توضح بان المشكلات البيئية لازمت الحياة على سطح الأرض منذ بدايتها.. وقد أوضح العلماء تغير الظروف البيئية الطبيعية، خلال العصور الجيولوجية المختلفة، تغيراً كبيراً،أدى الى إنقراض أنواع كثيرة من أنواع الحياة النباتية والحيوانية، وظهور أنواع جديدة، فيما أسماه داروين بعملية الإختيار الطبيعي. وكانت بعض التغيرات البيئية قوية، بحيث أدت الى فناء كامل للديناصورات، مثلاً، منذ 65 مليون سنة، فيما عرف بانه أضخم فناء حدث لنوع من أنواع الحياة في التأريخ.في كل هذا كانت العوامل البيئية الطبيعية هي المتحكمة في بقاء أو إنقراض أنواع الحياة.

    ومع بداية الإنسان الأول بدأت مرحلة التفاعل بينه وبين البيئة الطبيعية المحيطة به.فقد عاش الإنسان الأول على صيد الحيوانات، وجمع النباتات ليأكل، وإستخدم في ذلك أدوات حجرية مختلفة، وسكن الكهوف، وإكتشف كيف يوقد النار.وكان دائم التجوال بحثاً عن المأكل.وعندما بدأ الإنسان الأول يشعر ان نشاطاته أدت الى نقص شديد في أعداد الحيوانات، التي كان يقوم بإصطيادها،وفي مساحة النباتات التي كان يجمعها، شرع في تغيير أنماط حياته، وإتجه الى الإستقرار في مستوطنات بشرية بدائية، وتعلم إستئناس وتربية الحيوانات، وزراعة النباتات منذ أكثر من 10 اَلاف سنة.

   وهكذا إستبدل الإنسان الأول حياة التجوال والصيد والجمع، المرهقة والمحفوفة بالمخاطر، بحياة الإستقرار الأكثر أماناً لتلبية حاجاته الأساسية، وتعلم مهارات مختلفة، مثل صنع الأواني من الفخار، وبناء المأوى، ثم صناعة الأدوات الحديدية والنحاسية وغيرها- كما هو معروف من الحضارات القديمة في مصر ووادي الرافدين وإيران وتايلند منذ  نحو 7 اًلاف سنة.

    وخلال تلك الأزمنة القديمة أدت أنشطة الإنسان الى بعض المشكلات البيئية، خاصة في النظم الطبيعية لإنتاج الغذاء، مثل تدهور التربة، بسبب الرعي الجائر، وإزالة الأشجار، وغيرها. ولقد كان هذا التدهور شديداً في بعض المناطق، حتى أنه أدى الى إندثار حضارات بأكملها، مما دفع الإنسان الى تعلم صون الطبيعة..فتم صون بعض الحيوانات طبقاً لمعتقدات دينية، وحرمت بعض المعتقدات قطع الأشجار والنباتات، وبدأت جماعات كثيرة تتعلم كيف تؤقلم حياتها وتسد حاجاتها بالتنسيق مع الظروف البيئية المحيطة بها. فالبداوة التقليدية،مثلاً، تمثل صورة حية للهجرة الموسمية التي تتحكم فيها ظروف البيئة الطبيعية( وفرة الماء، وبالتالي عشب المراعي)، كما تمثل التفاعل الحساس والمتوازن بين الإنسان البدوي وبيئته الصحراوية، وكيف أنه إستطاع لقرون طويلة الحفاظ على التوازن بين متطلباته وقدرة البيئة الصحراوية على التحمل وإعادة التأهل.وهناك أمثلة كثيرة توضح لنا كيف ان البدو في مناطق الصين الوسطى، ودول شمال أفريقيا، وغيرها، كانوا يعرفون أين، ومتى يحطون الرحال، ومتى، والى أين يرحلون مرة أخرى..

    منذ نحو 2500 سنة، كتب علماء الأغريق عن العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة به، وكيف ان الإنسان بسلوكه وأفعاله يمكن ان يؤثر بالإيجاب او السلب في هذه البيئة.ففي حدود عام 350 قبل الميلاد أعلن أفلاطون مخاطباً عشيرته:" ان معظم العلل الإجتماعية والبيئية التي تعانون منها هي تحت سيطرتكم، على ان تكون لديكم العزيمة والشجاعة لكي تغيروها".وكان أفلاطون أول من نادى بأن الذي يحدث تدهوراً في البيئة، عليه ان يتحمل نفاقات إعادة تأهيلها. فذكر في كتاب " القوانين":"إن الماء يمكن تلويثه بسهولة، ولذا فانه يتطلب حماية القانون.ومن يقوم بتلويث الماء بقصد،عليه ان ينظف البئر او الجدول، بالإضافة الى تعويض المتضررين من هذا التلوث".

    وتجدر الإشارة هنا الى ان هذا المبدأ هو أساس ما يعرف اليوم بمبدأ " من يلوث عليه ان يتحمل نفقات إزالة التلوث!"..

والواقع، تتوفر أدلة قوية على أن التربية البيئية ليست حديثة العهد، بل لها جذورها القديمة في ثقافات الشعوب.وثمة رأي يُرجِع نشأة التربية البيئية الى القرن التاسع عشر، من خلال ربط التربية بالطبيعة، وتلقي الأديان السماوية على عاتق الإنسان مسؤولية إستثمار الطبيعة والعناية بها، معتبرة ان سوء إدارة الطبيعة إثم كبير شأنه في ذلك شأن الخطايا الأخلاقية، وأن الإهتمام بالطبيعة ورعايتها هو فضيلة أخلاقية أساسية، داعية الإنسان على نحو واضح وصريح الى التعاطف مع الطبيعة، وعدم إساءة إستخدامها، الى جانب تحبيب الطبيعة الى الإنسان وتقربه منها، وجعل ما بين الإنسان والطبيعة إنسجاماً  والفة  ومودة..

    

بيد أن التربية البيئية، كفكر وممارسة وتطبيق، إكتسبت محتواها العلمي، كجزء متمم للعلوم البيئية، وتطورت على نحو كبير، في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، بفضل الحركة المتنامية والمتصاعدة لأنصار البيئة وحماتها،وتحت تأثير الأنشطة، وخاصة المؤتمرات العلمية الدولية التي كرست للبيئة ومشكلاتها..

المحطات الرئيسية لتطور  مسيرة التربية البيئة وتأثيرات المؤتمرات الدولية في هذه المسيرة

أدناه أبرز المؤتمرات البيئية الدولية، التي عقدت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، وأهم نتائجها بأختصار:

1- مؤتمر ستوكهولم         1972- إعترف بدور التربية البيئية في حماية البيئة.

2- ميثاق بلغراد               1975- وضع إطاراَ شاملاً للتربية البيئية، وحدد أسس العمل في مجالها.

3- مؤتمر تبليسي             1977- وضع مبادئ وتوجهات للتربية البيئية.

4- مؤتمر موسكو             1987- وضع إستراتيجية عالمية للتربية البيئية.

5-مؤتمر ريو دي جانيرو 1992- أكد على إعادة تكييف التربية البيئية ناحية التنمية المستدامة، وزيادة الوعي البيئي العالم، وتعزيز برامج التدريب البيئي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثالثة

أهداف التربية البيئية

 

مع أن التربية البيئية ليست حديثة العهد، بيد أنه منذ عهد قريب بدأ الإهتمام بدمج البيئة صراحة في عملية التعليم، ولكن بإعطاء الأوليات والعناية بالمشكلات التي تتعلق بحماية الموارد الطبيعية والحياة النباتية والحيوانية، او ما يتصل بهما من موضوعات.

إن الأهداف، او الأسس، أو المنطلقات للتربية البيئية، عديدة، وتشمل ما يلي:

بما ان المشكلات البيئية تتسم بالتعقيد، فينبغي أن تواجه بمجالات المعرفة المختلفة.ويتعين النظر للمشكلات البيئية في سياقها المحلي،أولاً، ومن ثم العالمي،حتى يدرك الفرد حجم المشكلات، ويقتنع بها وبخطورتها.فالتربية البيئية تكون أكثر تاثيراً في الأفراد عندما توضح لهم.والسلوك الظاهر للناس تجاه البيئة يعتمد على المعارف والقيم التي يمتلكونها.

وكان ميثاق بلغراد،الذي تمخض عن الندوة الدولية التي عقدت في العاصمة اليوغسلافية في تشرين الأول/أكتوبر 1975، قد شرح غايات وأهداف التربية البيئية كونها تهدف الى تمكين الإنسان من فهم ما تتميز به البيئة من طبيعة معقدة نتيجة للتفاعل بين جوانبها البايولوجية والفيزيائية والإجتماعية والثقافية.. ولابد لها بالتالي من ان تزود الفرد والمجتمعات بالوسائل اللازمة لتفسير علاقة التكافل التي تربط بين هذه العناصر المختلفة في المكان والزمان بما يسهل توائمهم مع البيئة ويساعد على إستخدام موارد العالم بمزيد من التدبير والحيطة لتلبية إحتياجات الإنسان المختلفة في حاضره ومستقبله. وينبغي للتربية البيئية كذلك ان تسهم في خلق وعي وطني بأهمية البيئة لجهود التنمية، كما ينبغي لها ان تساعد على إشراك الناس بجميع مستوياتهم وبطريقة مسؤولة وفاعلة في صياغة القرارات التي تنطوي على مساس بنوعية بيئتهم بمكوناتها المختلفة، وفي مراقبة تنفيذها.. ولهذه الغاية ينبغي للتربية البيئية ان تتكفل بنشر المعلومات عن مشروعات إنمائية بديلة لا تترتب عليها اَثار ضارة بالبيئة، الى جانب الدعوة الى إنتهاج طرائق للحياة تسمح بإرساء علاقات متناسقة معها.

    ومن غايات التربية البيئية أيضاً تكوين وعي واضح بالتكامل البيئي في عالمنا المعاصر حيث أنه يمكن ان تترتب على القرارات، التي تتخذها البلدان المختلفة، وعلى مناهج سلوكها، اَثار على النطاق الدولي.

    وثمة دور بالغ الأهمية للتربية البيئية من هذه الناحية يتمثل في تنمية روح المسؤولية والتضامن بين بلاد العالم، بصرف النظر عن مستوى تقدم كل منها، لتكون اساساً لنظام يكفل حماية البيئة البشرية وتطويرها وتحسينها.

ان بلوغ هذه الغايات إنما يفترض تكفل العملية التربوية بنشر معارف وقيم وكفايات عملية ومناهج سلوك من شأنها ان تساعد على فهم مشكلات البيئة وحلها..

    فبالنسبة للمعارف يتعين على التعليم ان يوفر الوسائل اللازمة وبدرجات متفاوتة في تعميقها وخصوصياتها تبعاً لتباين جماهير المتعلمين لإدراك وهم العلاقات القائمة بين مختلف العوامل البايولوجية والفيزيائية والإجتماعية والإقتصادية التي تتحكم بالبيئة من خلال اَثارها المتداخلة في الزمان والمكان. وإذ يقصد من هذه المعارف ان تسفر عن تطوير مناهج السلوك وأنشطة مؤاتية لحماية البيئة وتحسينها، فمن الضروري ان يتم تحصيلها قدر الإمكان عن طريق وضع البيئات الخاصة موضع الملاحظة والدراسة والتجربة العلمية..

 وفيما يتعلق بالقيم ينبغي للتربية البيئية ان تطور مواقف ملائمة لتحسين نوعية البيئة، فلا سبيل الى إحداث تغيير حقيقي في سلوك الناس إتجاه البيئة إلا إذا أمكن  لغالبية الأفراد في مجتمع معين ان يعتنقوا، عن إرادة حرة ووعي، قيم أكثر إيجابية، تصبح أساساً لأنضباط  ذاتي. ولهذه الغاية ينبغي للتربية البيئية ان تسعى الى توضيح وتنسيق ما لدى الأفراد والمجتمعات من إهتمامات وقيم أخلاقية وجمالية وإقتصادية بقدر ما لها من تأثير على البيئة..

    أما عن الكفايات العملية،فان الهدف هو تزويد كافة أفراد المجتمع،أي مجتمع، بمجموعة بالغة التنوع من الكفايات العلمية والتقنية، تسمح بإجراء أنشطة رشيدة في مجال البيئة، وذلك عن طريق الإستعانة بأساليب متعددة، تتفاوت في درجة تعقيدها. والمقصود بوجه عام هو إتاحة الفرصة في كافة مراحل التعليم المدرسي وغير المدرسي لأكتساب الكفايات اللازمة للحصول على المعارف التي تتوافر في البيئة، والتي تسمح بالمشاركة في إعداد حلول قابلة للتطبيق على المشكلات الخاصة بالبيئة وتحليلها وتقييمها، ذلك لأن القيام بصورة مباشرة ومحدودة بأنشطة ترمي الى حماية البيئة وتحسينها هو خير وسيلة لتنمية هذه الكفايات .

وتشكل هذه الأهداف كلها  عملية تربوية موحدة، حيث لا طائل يرجى من أنشطة تربوية ترمي الى تحقيق أهداف معينة بصورة مشتتة، وجزئية. ولا يجدي ذلك كثيراً في تطوير نهج جديد شامل تجاه البيئة.

يشير د. غازي أبو شقراء الى أن أهداف التربية البيئية حددت بما يلي:

تعزيز الوعي والإهتمام بترابط المسائل الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والبيئية (الإيكولوجية) في المناطق المدينية والريفية.

إتاحة الفرص لكل شخص لإكتساب المعرفة والقيم والمواقف وروح الإلتزام والمهارات الضرورية لحماية البيئة وتحسينها.

خلق أنماط جديدة من السلوك تجاه البيئة لدى الأفراد والجماعات والمجتمع ككل.

ودعا أبو شقراء الى إسترشاد التربية البيئية بالمبادئ التالية:

1- البيئة وحدة متكاملة- بجوانبها الطبيعية، والتي صنعها الإنسان- وكذلك بجوانبها التكنولوجية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والأخلاقية والجمالية.

2- التربية البيئية عملية متواصلة مدى الحياة، تبدأ في مرحلة ما قبل المدرسة وتستمر في جميع المراحل التربوية النظامية وغير النظامية.

3- الأخذ بمنهج جامع بين فروع المعرفة يستعين بالمضمون الخاص لكل فرع منها لتيسير التوصل الى نظرة شمولية متوازية.

4- التعرف الى القضايا البيئية الكبرى من منظور محلي وقومي وإقليمي ودولي.

5- التركيز على الأوضاع البيئية الحالية والمحتملة مع مراعاة الإطار التأريخي لهذه الأوضاع.

6- تعزيز التعاون على الصعيد المحلي والقومي والإقليمي والدولي في تلافي المشكلات البيئية والإسهام بحل هذه المشكلات.

7- أن تؤخذ صراحة بعين الإعتبار الجوانب البيئية في مخططات التنمية والتطوير.

8- الربط بين الحس البيئي ومعرفة البيئة والمهارات الكفيلة بحل مشكلاتها وتوضيح القيم المتعلقة بها في كل مرحلة من مراحل العمر.

9- مساعدة الدارسين على إكتشاف أعراض المشكلات وأسبابها الحقيقية.

10- التأكيد على تشعب المشكلات ومن ثم ضرورة تنمية الفكر النقدي والمهارات الكفيلة بحل المشكلات.

11- إستخدام بيئات متنوعة للتعلم، ومجموعة كبيرة من النماذج التربوية، في التعلم والتعليم عن البيئة، مع التأكيد على الأنشطة العملية والتجارب المباشرة.

وتناول أ.د. راتب السعود هذه الأهداف بتفصيل أكثر،موضحاً بأنه على الرغم من ان للتربية البيئية أصولها القديمة إلا أنها إكتسبت أهمية خاصة منذ السبعينات من القرن العشرين نتيجة لحدوث وعي بالمشكلات البيئية الكبرى التي بدأت تؤثر بعمق في نوعية الحياة البشرية، وتهدد مستقبل الأجيال، مثل الإنفجار السكاني، والتلوث، وإستنزاف الموارد الطبيعية، إذ إنطلقت التربية البيئية من إعتراف مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية، الذي عقد في ستوكهولم/السويد عام 1972، بدور التربية كركن من أركان المحافظة على البيئة، فأصدر المؤتمر التوصية 96 التي دعت اليونسكو خاصة، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى عامة، الى إتخاذ التدابير اللازمة لبرنامج جامع لعدة فروع علمية للتربية البيئية في المدرسة وخارجها، من حيث الإهتمام بالبيئة وحمايتها، ويوجه الى جميع قطاعات السكان. وكانت هذه التوصية اساساً ومنطلقاً ومبدأ هادياً إستندت إليه اليونسكو في تحديد الأهداف الخمسة التالية للبرنامج الدولي للتربية البيئية الذي ترعاه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهي:

1-تشجيع تبادل الأفكار والمعلومات والخبرات المتصلة بالتربية البيئية بين دول العالم وأقاليمه المختلفة.

2- تشجيع تطوير نشاطات البحوث المؤدية الى فهم أفضل لأهداف التربية البيئية ومادتها وأساليبها، وتنسيق هذه النشاطات.

3- تشجيع تطوير مناهج تعليمية وبرامج في حقل التربية البيئية وتقويمها.

4- تشجيع وتدريب وإعادة تدريب القادة المسؤولين عن التربية البيئية، مثل المخططين والباحثين والإداريين والتربويين.

5- توفير المعونة الفنية للدول الأعضاء لتطوير برامج في التربية البيئية.

كيف السبيل لبلوغ أهداف التربية البيئية ؟

عن هذا السؤال يجيب رشيد الحمد ومحمد سعيد صباريني بان بلوغ هذه الأهداف يتطلب عملية تربوية تستطيع:

- تأمين المعرفة الخاصة بالعلاقات بين مختلف العوامل البيولوجية والفيزيائية والاجتماعية  التي تتحكم في البيئة، من خلال أثارها المتداخلة، تكون قادرة على تطوير مناهج للسلوكن وإستحداث نشاطات مناسبة، من خلال الملاحظة والدراسة والتجريب لصيانة البيئة.

- تطوير مواقف ملائمة لتحسين نوعية البيئة عن طريق إحداث تغيير حقيقي في سلوك الناس إتجاه بيئتهم، بحيث يؤدي ذلك الى إيجاد الشخصية المنضبطة ذاتياً والتي تتصرف في البيئة بروح المسؤولية.

- الإستعانة بأساليب شتى لتزويد الناس بمجموعة متنوعة من الكفايات العملية والتقنية التي تسمح بإجراء أنشطة رشيدة في البيئة.ويمكن تحقيق ذلك عن طريق أتاحة الفرصة في كافة مراحل التعليم  (النظامي وغير النظامي) لإكتساب الكفايات القادرة على كسب المعارف المتوفرة عن البيئة، تكون قادرة بالفعل للإسهام في وضع حلول قابلة للتطبيق لمشكلات البيئة.

 

 

 

المحاضرة الرابعة:

البعد التربوي التربية البيئية

 

يعتبر البعد التربوي Educational Dimension من ابعاد مشكلة التلوث البيئي التي لها أهمية كبيرة، وذلك من خلال نشر الوعي البيئي المرتكز على أخلاقيات بيئية Educational Ethics تدعو الجميع لضرورة الإنتماء الى هذه القرية الكونية بإيجابية وتفاؤل.وإن نقطة إنطلاق الإهتمام في هذا الجانب بدأت من مؤتمر ستوكهولم، الذي عقد خلال الفترة ما بين 5-16 حزيران / يونيو 1972 تحت عنوان " عالم واحد فقط !"، حيث تضمن المؤتمر إن الإنسان صنيع بيئته وصانعها في اَن واحد. وإن بين المجتمع والبيئة علاقة وثيقة، فهي معيله الطبيعي الذي يوفر له فرصة للنمو الفكري والإجتماعي والروحي.

    وتهدف التربية البيئية كمفهوم الى بناء المواطن الإيجابي الواعي بمشكلات البيئة، وتنمية الوعي بأهمية البيئة، وتنمية القيم الإجتماعية، ودراسة المشكلات البيئية، وتحليلها، من خلال منظور القيم، وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وبيئته البيوفيزيائية.وتهدف ايضاً الى تنمية أخلاق بيئية تسعى الى إيجاد التوازن البيئي ورفع مستوى المعيشة للأفراد، وتنمية مفهوم جماهيري اساسي للعلاقات الإنسانية والتفاعلات البيئية ككل،بالأضافة الى تزويد المواطنين بمعلومات دقيقة وحديثة عن البيئة ومشكلاتها بهدف معاونتهم على إتخاذ القرارات السليمة لإسلوب التعايش مع البيئة وتوعية المجتمع، وبأن من حق كل مواطن إتخاذ القرارات بشأن المشكلات البيئية.

    ويقع على عاتق التربية البيئية مسؤوليات ضخمة لتحقيق التعاون بين الدول لتوفير حياة كريمة لكل البشر، عن طريق الإستغلال العلمي للموارد المتاحة، وتوجيه الإهتمام الى المشكلات البيئية المعاصرة، وضرورة دراسة المشكلات الناجمة عن التغيرات التكنولوجية التي احدثها الإنسان وكانت لها اَثار سيئة على الأنظمة البيئية، كالتلوث.

    وتتمثل مسؤولية التربية البيئية أيضاً في دراسة المشكلات البيئية وتحليلها من خلال منظور شامل وجامع لفروع المعرفة يتيح فهمها على نحو سليم.كما دعت ندوة بلغراد عام 1975 الى أهمية التربية البيئة التي تهدف الى تكوين جيل واع مهتم بالبيئة وبالمشكلات المرتبطة بها، ولديه المعارف والقدرات العقلية، والشعور بالإلتزام، بما يتيح له ان يمارس، فردياً أو جماعياً، حل المشكلات القائمة، وأن يحول بينها وبين العودة للظهور.

   ومن هنا فان التربية البيئية أصبحت بعداً مهماً من ابعاد حل مشكلة التلوث البيئي من خلال غرسها لأخلاقيات بيئية عند الأفراد.وفي هذا الإتجاه يقول ليوبولد- أستاذ البيئة الشهير:"إننا نحقق فكرة أخلاقية-المحافظة على الأرض حين ننظر على أنها مجتمع ننتمي إليه.وبذلك يمكننا أن نستخدم الأرض بطريقة تنم عن الحب والإحترام".

والتربية البيئية المرتكزة على وعي بيئي كبير وأخلاق بيئية رفيعة، كفيلة في أن تسهم في الحد من التلوث وتدهور الحياة، بالإضافة الى دور العقيدة التربوية في غرس القيم الإيمانية والسلوكيات الإيجابية للتعامل مع البيئة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الخامسةة:

خصائص التربية البيئية وسماتها

 

تتسم خصائص التربية البيئية بجملة من السمات يوجز رشيد الحمد ومحمد صباريني أبرزها بالتالي:

* التربية البيئية تتجه عادة الى حل مشكلات محدودة للبيئة البشرية عن طريق مساعدة الناس على إدراك هذه المشكلات.

* التربية البيئية تسعى لتوضيح المشكلات البيئية المعقدة وتؤمن تظافر أنواع المعرفة اللازمة لتفسيرها.

* التربية البيئية تأخذ بمنهج جامع لعدة فروع علمية في تناول مشكلات البيئة.

* التربية البيئية تحرص على ان تنفتح على المجتمع المحلي إيماناً منها بأن الأفراد لا يولون إهتمامهم لنوعية البيئة ولا يتحركون لصيانتها أو لتحسينها بجدية وإصرار إلا في غمار الحياة اليومية لمجتمعهم.

* التربية البيئية تسعى بحكم طبيعتها ووظيفتها لتوجه شتى قطاعات المجتمع الى بذل جهودها بما تملك من وسائل لفهم البيئة وترشيد إدارتها وتحسينها، وهي بذلك تأخذ بفكرة التربية الشاملة المستديمة والمتاحة لجميع فئات الناس.

* التربية البيئية تتميز بطابع الإستمرارية والتطلع الى المستقبل.

إن التربية البيئية تعد إستجابة للأزمة البيئية التي تواجه البشرية.وهي تتناول حالات واقعية، توجب المشاركة في دراستها.وتأخذ أهداف التربية البيئية المعرفية بالمنحى التداخلي.والتربية البيئية ذات طابع كلي في توجهاتها.وتضمن الفعل في تعاملها مع المشكلات البيئية.وتستخدم، بشقيها الطبيعي الصناعي، وسطاً للتعلم.وتبحث عن البدائل في دراسة الحالات البيئية.وتسعى الى تبني المدخل القيمي الذي يعني تلازم بناء أنماط سلوكية تساعد بالمحافظة على البيئة.وتهتم باسس الأختيار بين بدائل الحالات البيئية.وتهدف التربية البيئة الى تطوير مهارات حل المشكلات البيئية.

    وهي جهد لا ينبغي ان يترك للتربويين لوحدهم، بل هو جهد مجتمعي تشترك في تحقيقه كافة الجهود، الرسمية منها والأهلية.والتربية البيئية ليست فكراً نظرياً، ولا وجهات نظر، بل هي علم تطبيقي يتجلى بالفعل والممارسة.

وكان ميثاق بلغراد في عام 1975 قد اشار الى ان السعي الى تحقيق الغايات والأهداف التي عرضناها يضفي على عملية التعلم خصائص معينة، ويتطلب توافر شروط معينة فيها، سواء في ما يتعلق بتصميم مضمون التربية وتنظيمه، أو بأساليب التعليم والتعلم وطريقة تنظيم هذه العملية.وقد تكون أهم سمة لهذه التربية هي كونها تتجه الى حل مشكلات محدودة للبيئة الإنسانية، فهدفها معاونة الناس أياً كانت الفئة التي ينتمون اليها، وأياً كان مستواهم، على إدراك المشكلات التي تقف حائلاً دونما فيه خيرهم كأفراد وجماعات، وتحليل أسبابها، وتقييم الطرق والوسائل الكفيلة بحلها.وهي تهدف كذلك الى إشراك الفرد في وضع تحديد إجتماعي للأستراتيجيات والأنشطة الرامية الى حل المشكلات التي تؤثر على نوعية البيئة.وإذا كانت توجد اليوم مشكلات بيئية كثيرة، فمرد ذلك، في جانب منه، الى أن قلة ضئيلة من الناس كانوا قد أعدوا لتبني مشكلات تتسم بالتحديد والتعقيد، فضلاً عن إبجاد حلول فاعلة لها.وقد اساء التعليم التقليدي، بإفراطه في التجريد وعدم التناسق، إعداد الأفراد لمواجهة ما يطرأ على واقعهم من تعقيدات متغيرة ، في حين ان التربية، التي تتخذ من مشكلات بيئية محدودة محوراً لها، تتطلب، على العكس، تظافر المعارف بشتى جوانبها لتفسير الظواهر الواقعة المعقدة. ومع ذلك تبرز سمة أخرى من سماتها الأساسية، وهي كونها تأخذ بمنهج جامع لعدة فروع علمية في تناول مشكلات البيئة.

    والواقع أنه يحسن لفهم هذه المشكلات على نحو سليم ان تكون على البيئة، من وجوه الترابط القائمة بين الظواهر والأوضاع السائدة، والتي كان أتباع نهج يعتم على فرع واحد من فروع العلوم، سينحو الى تجزأتها. فالنهج الجامع لعدة فروع علمية يتجاهل الحدود الفاصلة بين العلوم التخصصية، ويعنى بأعطاء نظرة أكثر شمولاً وابعد عن التبسيط للمشكلات الماثلة، إذ انه لا يتمثل في البدء بوضع العلوم المختلفة جنباً الى جنب، ولكن في فهم العملية فهماً شاملاً قبل التطرق الى تحليل إحدى المشكلات الخاصة وحلها.. على ان التوصل الى تربية جامعة لعدة فروع علمية بصورة حقة يشكل مطلباً صعباً، ينبغي ان نسعى الى تحقيقه تدريجياً.. ويفترض لذلك ان تقوم إتصالات ميسرة بين المعلمين بفضل ما يتلقاه المختصون من تدريب جديد ووضع نظام ملائم للتعليم يأخذ في أعتباره الروابط الفكرية والمنهجية بين فروع العلم على إختلافها. وتدعو الحاجة الى وضع تعليم يستجيب للإحتياجات الإجتماعية إستجابة فاعلة للتنويه بإحدى الخصائص الرئيسية الأخرى للتربية البيئية وهي إنفتاحها على المجتمع المحلي المعين. فليس يفترض في التربية، التي تهدف الى حل مشكلات بيئية محددة، ان تعمل على تنمية المعارف والمهارات وحسب، بل وان تعمل أيضاً، وبوجه أخص، على تطوير عرف محلي يمارس في بيئات محددة، ومن التحقق ان الأفراد والجماعات لا يولون إهتمامهم لنوعية البيئة، ولا يتحركون لحمايتها او تحسينها بعزم وإصرار إلا في غمار الحياة اليومية لمجتمعهم المحلي، وحين يواجهون ما يعترض سبيلهم من مشكلاتها.. ولهذا النهج الجماعي أهمية لأنه من الجلي ان كثيراً مما يسمى بالمشكلات الوطنية لا يعدو كونه حصيلة مشكلات فردية وان كانت مشتركة بين عدة مجتمعات محلية في وقت واحد.. وإذا أمكن حل مشكلات معينة تخص أحد المجتمعات المحلية فاننا نكون قد قطعنا بذلك، في الوقت نفسه، شوطأ صوب تحسين البيئة لصالح مجتمع أوسع نطاقاً مثل القطر او المنطقة. ويتطلب تحسين نوعية البيئة من ناحية أخرى، توفر الإدارة السياسية اللازمة، ونهوض شتى قطاعات المجتمع ببذل جهود لدعمها بكفاياتها وبما تملكه من وسائل متعددة. ذلك ان التظافر الحقيقي بين قدرات المعرفة وغيرها من العناصر، مثل القيم، والنظرة الجمالية، والمهارات العملية في إطار الجهود المنسقة، ومشاركة الأفراد داخل مختلف الجماعات والمرافق التي يتكون منها المجتمع المحلي، سيؤدي الى فهم البيئة وترشيد إدراتها وتحسينها.

 وهناك، في النهاية، جانب اَخر، من الجوانب الأساسية للتربية البيئية، وهو ما تتميز به طابع الإستمرارية والتطلع الى المستقبل.فحتى وقت قريب من تأريخ الإنسانية كان التغيير في الإطار الإجتماعي والثقافي والطبيعي للحياة يحدث ببطء، وكان من الميسور في ظروف كهذه ان يتعلم أبناء الأجيال الجديدة قيم اَباءهم ومعارفهم، وان ينقلوها الى أبنائهم، وهم على يقين من ان هذا التراث الثقافي سيكون كافياً لضمان تلاءمهم مع المجتمع.. ومنذ الثورة الصناعية وخلال النصف الثاني من القرن العشرين بوجه أخص تعرض هذا الإطار لهزة عنيفة، فقد أدى التقدم الباهر، الذي أحرزته المعارف العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية، الى مضاعفة سيطرة الإنسان على بيئته، وتزايد سرعة التغيرات التي تعرضت لها. وفي يومنا هذا، تتغير البيئة الطبيعية والمبنية، في مختلف جوانبها، بسرعة بالغة، مما يسفر عن ظهور نظم إقتصادية وإجتماعية وثقافية جديدة، ومن تولد مشكلات جديدة دون إنقطاع. وأصبحت المعارف والتقنيات تتغير للمرة الأولى في تأريخ الإنسان خلال فترة تقل عن عمر الفرد..إذاً لا مناص لتربية تهدف الى حل مشكلات البيئة من ان تتسم في هذا السياق بطابع الإستمرار، ولكي لا تتخلف المعارف التي يكتسبها الناس ضماناً لأستمرار فاعلية الأنشطة الجارية يتعين على التربية البيئية ان تحرص دائماً على إعادة صياغة توجهاتها ومضمونها وأساليبها، وان تعنى في ذات الوقت بان ان تكون المعارف المتاحة لمختلف الفئات مستوفية بصورة دائمة مع تطويعها للأوضاع الجديدة بإستمرار.. وهي تتدرج بهذه الصفة في إطار التربية المستديمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السادسة:

أشكال التربية البيئية وبرامجها.

 

يعتبر الأستاذ راتب السعود أن واحدة من أهم الأسس التي ترتكز إليها التربية البيئية هي الإستمرارية، بمعنى ان تكون التربية البيئية عملية مستمرة مدى الحياة، تبدأ من بواكير الطفولة، من خلال برامج التربية النظامية، وغير النظامية.وعليه فليس ثمة جمهور محدد مستهدف في التربية البيئية، بل على العكس فان هذا الجمهور يشمل الناس كافة، بغض النظر عن العمر او الجنس او العرق او اللغة او غير ذلك.إنه جمهور متنوع متغير علىالدوام.ومن أجل ذلك كان لابد من مواجهة مشكلة إتساع الجمهور المستهدف وتنوعه، ليس بشكل واحد من أشكال التعليم، ولا من خلال مؤسسة واحدة من مؤسسات المجتمع، بل بشكلي التعليم الرئيسيين: التعليم النظامي ( الرسمي) والتعليم غير النظامي ( غير الرسمي)، وعبر مؤسسات المجتمع كافة.

تبدأ التربية البيئية اليوم من مستوى رياض الأطفال، وتسير قدماً حتى تغطي باقي مراحل التعليم.ولما كانت التربية البيئية في مفهومها الأساسي، وفي تطبيقها، تجمع بين شتى فروع العلم، فأنها تدمج البرامج الدراسية المختلة على كل مستوى من مستويات التدريس.ففي مراحل التعليم العام تتضمن المناهج الدراسية، فيما تتضمنه، مواد تثير عند الناشئة ملكات الفضول، والملاحظة، والتفسير، وتتضمن أيضاً المعارف الأساسية عن ترابط جميع عناصر البيئة، ووقع هذا الترابط على حياة الإنسان الإجتماعية والثقافية..وتتضمن المناهج الدراسية أيضاً الإدراك العلمي للبيئة الطبيعية ولما لها من وقائع ووظائف.كما تتضمن المناهج تبصيراً بالمنهج السليم في الإغتراف من الموارد الطبيعية سواء فيها ما يتجدد وما لا يتجدد.. والموارد التي تتجدد يكون لها، بلا شك، أهمية خاصة.

لقد بدأ التعليم النظامي ( المدرسي) يلتفت الى مشكلات البيئة ويستوعبها في القرارات الدراسية المختلفة على أساس الإقتناع بأن التربية البيئية في إطار الأنظمة التربوية المدرسية تساعد على فهم أفضل للجوانب الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية للحياة..

يقسم السعود برامج التربية البيئية النظامية ( التعليم النظامي) الى 4 مؤسسات رئيسية، وهي: رياض الأطفال والمدارس ( مؤسسات التعليم العام)، والجامعات، وكليات المجتمع ( مؤسسات التعليم العالي).على ان المدارس والجامعات تمثل العمود الفقري في التعليم النظامي، بسبب ضخامة جمهورها، وطول فترتها الزمنية، قياساً برياض الأطفال ومؤسسات التعليم المتوسط.

أما برامج التربية البيئية غير النظامية ( التعليم غير النظامي)، والبعض يطلق على  التربية البيئية في التعليم غير النظامي( غير الرسمي):"الإعلام البيئي" أو " الثقافة البيئية" أو  "التوعية البيئية،فانها تتم من خلال مؤسسات المجتمع كافة، كالأسر، والنوادي، والجمعيات، والهيئات، والمتاحف، والمعارض، ودور العبادة، ووسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، وغيرها. ونظراً لشدة تأثرها وخطورة برامجها وطول مدة تأثيرها الزمنية، فان الأسرة، ودور العبادة، ووسائل الإعلام، تشكل هي الأخرى العمود الفقري لمؤسسات التعليم البيئي غير النظامي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السابعةة:

دور الاسرة في غرس التربية البيئية وحماية البيئة

 

من المعروف ان الأسرة تمثل الجماعة الإنسانية الأولى التي يتعامل معها الطفل، والتي يعيش معها السنوات التشكيلية الأولى من عمره، هذه السنوات التي لها- كما يؤكد علماء التربية وعلم النفس- أكبر الأثر في تشكيل شخصية الطفل تشكيلاً يبقى معه بشكل من الأشكال  وعلى مدى طويل.

    والمعروف أيضاً ان عملية التطبيع الإجتماعي Socialization للطفل تتم من خلال كل مؤسسات المجتمع التي يتفاعل معها ، إلا ان أكثر هذه المؤسسات تأثيراً هي مؤسسة الأسرة.وتتضح أهمية الأسرة في تشكيل شخصية الطفل إذا ما تذكرنا المبدأ البيولوجي العام الذي يقول بإزدياد قابلية التشكيل او ازدياد المطاوعة كلما كان الكائن صغيراً.

    والأسرة هي المسؤولة، خصوصاً في السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل، عن كثير مما يرد للطفل من مؤثرات.كما أنها هي البيئة الإجتماعية الأولى التي يبدأ فيها الطفل بتكوين ذاته والتعرف على نفسه، عن طريق عملية التفاعل الإجتماعي المتمثلة في الأخذ والعطاء، والتعامل بينه وبين أعضاء الأسرة الآخرين.وفي هذه البيئة الإجتماعية يتلقى الطفل أول إحساس بما يجب القيام به، بالأعمال التي إذا قام بها حضي بالمديح والثناء، والأعمال الأخرى التي تلقى الذم والعقاب.

لقد تعارف المربون على أن الأسرة تقوم بثلاث وظائف أساسية هامة في المجتمع، وهي:

إنتاج الأطفال وإمدادهم بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والإجتماعية.

إعدادهم للمشاركة في حياة المجتمع وفي التعرف الى قيمه وعاداته وتقاليده.

تزويدهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.

ومن هنا تتضح خطورة الدور الذي تؤديه الأسرة تجاه الأبناء، والمنبثق أصلاً عن كونها البيئة الإجتماعية الأولى التي يتعامل معها الطفل، وتمثل له مصدر الأمن والطمأنينة والإستقرار وإشباع معظم حاجاته.

    وتأسيساً على ما سبق، تصبح الأسرة أهم مؤسسات المجتمع في تهيئة الأفراد للحفاظ على البيئة، وحمايتها من كل مكروه، وبناء الإستعداد لديهم للنهوض بها، ودرء المخاطر عنها، وإستيعاب وتمثل قيم النظافة، وترشيد الإستهلاك، والتعاون، وغيرها مما ينعكس إيجابياُ على البيئة.

    ولعل خير ما يوضح دور الأسرة في حماية البيئة، ولو بشكل رمزي،هو دورها في التصدي لمشكلات البيئة الرئيسية الثلاث: الإنفجار السكاني، والتلوث، وإستنزاف موارد البيئة.على ان ما ينبغي التذكير به  هو ان دور الأسرة، كغيرها من مؤسسات المجتمع الأخرى، يتضمن بعدين رئيسيين:

أ- البعد الوقائي ( بهدف الحيلولة دون وقوع المشكلات البيئية).

ب-البعد العلاجي ( بهدف تخفيف حدة المشكلات البيئية والتصدي لها ومقاومتها)، وذلك على النحو التالي:

1- دور الأسرة في التصدي لمشكلة الأنفجار السكاني:

درسنا في الفصل المنصرم مشكلة الإنفجار السكاني بوصفها واحدة من المشاكل البيئية المعاصرة في العالم. ومن هنا لن نكرر ما درسناه، ونكتفي بالإشارة الى أن  من أهم أسباب مشكلة الأنفجار السكاني هي: الجهل المعرفي،او نقص المعرفة، والجهل الديني، وعقدة الولد الذكر، التي تجعل بعض الأزواج يستمرون في الإنجاب إذا كان المولود أنثى حتى يطل المولود الذكر، بالإضافة الى العادات والتقاليد، وضعف التنظيم الأسري، وغير ذلك.

    من هنا نقول أن الأسرة تُعدُ عملياً  نقطة الأرتكاز في معالجة قضايا البيئة وفي مقدمتها التصدي لمشكلة الأنفجار السكاني،وذلك من خلال القيام ببعض النشاطات، مثل:

تنظيم الحمل

إطالة فترة الرضاعة،وتشجيع الرضاعة الطبيعية.

توعية الأبناء بخطورة مشكلة الإنفجار السكاني، ومناقشة هذه القضية معهم.

محاربة الزواج المبكر، وبالذات لدى الأناث.

تشجيع التعليم، وتسهيل فرصه، وبالذات للأناث، مما يقلل من فرص الزواج المبكر.

 

2- دور الأسرة في التصدي لمشكلة التلوث:

يكتسب الأبناء كثيراً من سلوكياتهم من خلال تعايشهم اليومي مع أسرهم، وبالذات مع أمهاتهم، وتتشكل كثيراً من إتجاهاتهم من خلال مشاهداتهم اليومية لممارسات الوالدين، والأخوة الكبار، وغيرهم من أفراد الأسرة الذين يقطنون معهم. وتكاد تكون التربية بالتقليد من أهم وسائل التربية التي يمكن أن تلجأ إليها الأسرة لبناء إتجاهات إيجابية عند الأبناء نحو البيئة، وتعزيز قيم المحافظة عليها.

وإذا كان دور الأسرة في وقاية البيئة من الأخطار التي تتهددها أساساً، فان دورها في معالجة ما إعترى البيئة من مشكلات لا يقل أهمية عن دورها الوقائي.وفي مجال التصدي لمشكلة التلوث بكافة أشكالها: تلوث الهواء، والماء، و التربة، والغذاء، والتلوث الكهرومغناطيسي، والتلوث السمعي، فان للأسرة دور هام.

    ونورد فيما يلي بعض الأساليب التي يمكن للأسرة إستخدامها في سبيل بث الوعي البيئي لدى الأطفال حيال قضايا المياه والتصدي لمشكلة تلوث المياه، على سبيل المثال:

- أن يتعامل الأبوان مع المياه بإيجابية، فلا يسرفان، ولا يلوثان، وبالتالي فانه من غير المعقول ان ينهيان أبناءهما عن خلق الإسراف بالماء وتلويثه ويأتيان بمثله.

- أن لا يمل الأبوان من النصح والأرشاد الى مواطن الخلل في قضايا المياه، وأن يدلان الأبناء على مصادر تلوث المياه، ويوجهانهم الى سبل التصدي لذلك.

- أن يغرس الأبوان في نفوس الأبناء قيمة النظافة في كل شيء، ومنها نظافة الماء حيثما وجد.

- أن يُذَكِر الآباء الأبناء بان الإنسان هو مشكلة الماء، ذلك ان الإنسان قد إنحرف عن المنهج السليم في التعامل مع الماء، فأسرف ولوث وإستنزف، ولن يكون هناك حل لقضايا الماء إلا من خلال الإنسان نفسه.

- أن يشرك الأبوان الأبناء في عمليات تنظيف خزانات مياه الشرب وتعقيم المياه، ولو كان ذلك من خلال المشاهدة، إن تعذر ممارسة الفعل عملياً.

- أن يشرك الآباء الأبناء في عمليات تفقد شبكة المياه المنزلية وفحص العدادات ومراقبة التسرب ومعالجته.

- أن يشرك الأبوان الأبناء في عملية إبلاغ سلطة المياه عن أي تسرب للمياه من شبكة المياه الرئيسية.

- تقليل حجم خزان المرحاض، بوضع زجاجة ماء ممتلئة ومغلقة سعة لتر داخل الخزان، وإعلام الأبناء عن الحكمة من ذلك.

- إستخدام الدلو ( 20 لتراً) لغسل السيارة، بدلاً من الخرطوم ( الصوندة)، وشرح الحكمة من ذلك.

- تنظيم ري نباتات الحديقة المنزلية، وتصغير حجم حفائرها، وإستخدام طريقة الري بالتنقيط، وشرح هذه الإجراءات للأطفال.

3- دور الأسرة في التصدي لمشكلة إستنزاف موارد البيئة:

تمثل موارد البيئة بانواعها ينابيع خير ليحصل الإنسان منها على مقومات حياته.غير ان تعامل الإنسان غير العقلاني مع هذه الموارد البيئية قد أفسد بعضها، ولوث مجموعة أخرى، وتسبب في إنقراض بعض أنواع الكائنات الحية، وقلل من العمر الإفتراضي لكثير من مصادر الطاقة والمعادن.

    وليس من شك أن للأسرة دور كبير في التصدي لمشكلة إستنزاف موارد البيئة بكافة إشكالها: الدائمة، والمتجددة، وغير المتجددة.فالأسرة تسهم في بناء إتجاهات إيجابية عند أطفالها نحو البيئة ومكوناتها، وتدعم قيم النظافة، والمشاركة والتعاون، وترشيد الإستهلاك، وغيرها، ذلك ان الأسرة تعتبر مفتاح عملية التعلم لدى الأطفال.والمنزل يعتبر من الأماكن المثالية للتطبيق العملي لمفاهيم البيئة. وعندما تمارس إحدى الأسس البيئية في نطاق الأسرة فانها ترتبط بعد ذلك بإسلوب حياة الفرد، وثمة كثير من مفاهيم التربية البيئية تعلم في المنزل.فعندما يوضح الآباء للأبناء كيفية التخلص من النفايات الصلبة، ومكافحة الحرائق ( الهواء مورد دائم)، أو الإعتناء بنباتات الحديقة، او بالحيوانات الأليفة( موارد متجددة)، أو الحفاظ على الطاقة الكهربائية ( موارد غير متجددة)، فهم بذلك يقدمون لأبنائهم قيماً بيئية تستهدف حماية موارد البيئة.

 

 

المحاضرة الثامنة:

دور المدرسة في حماية البيئة

 

معلوم أن التربية تبدأ من البيت، وعن طريق الأسرة، ولكن ظروف الحياة قد تغيرت، ومتطلباتها قد تعددت وتنوعت، وأعمال الأسرة قد تشعبت وإتسعت، فاصبحت غير قادرة على القيام بدورها في تربية الطفل دون مساعدة، فأوجب ذلك وجود مؤسسة أخرى تساعدها على نقل التراث الثقافي ومساعدة الطفل على حسن التكيف مع الحياة، وتعليمه العادات والتقاليد والقيم والنظم والمعتقدات والسلوك الإنساني الذي يرضى عنه المجتمع.ومن هنا جاءت المدرسة كمؤسسة إجتماعية تربوية، تقوم بمهمة التربية، جنباً الى جنب، مع الأسرة، وهذا يحتم على كلتا المؤسستين، الأسرة والمدرسة، ان يتعاونا حتى يصلا بتربية الطفل الى الهدف المنشود، وحتى لا يحدث بينهما تناقض يترتب عليه تفكيك في شخصية الطفل وفقدان الثقة بالأسرة، او المدرسة، او بكليهما.

    وعلى الرغم من ان المدرسة تمثل المؤسسة الإجتماعية الرئيسية المختصة بشؤون التربية والتعليم، إلا أنها ليست الوحيدة، إذ بالإضافة الى الأسرة، هناك مؤسسات أخرى، كالجمعيات العلمية والهيئات المهنية والدينية والأدبية والرياضية ووسائل الإعلام وغيرها من الهيئات التي تشاطر المدرسة مهمتها التربوية الخطيرة.

    وإزاء هذه المؤسسات الإجتماعية التي تسهم في عملية تربية النشئ يبرز للمدرسة 3 وظائف اساسية، وهي:

 الوظيفة التكميلية، والوظيفة التصحيحية، والوظيفة التنسيقية، وذلك على النحو التالي:

1-المدرسة أداة إستكمال: إذ تقوم المدرسة بإستكمال ما بدأته المؤسسات الإجتماعية الأخرى، وفي مقدمتها الأسرة، من أعمال وتوجيهات تربوية.

2-المدرسة إداة تصحيح: إذ تقوم المدرسة بتصحيح الأخطاء التربوية التي قد ترتكبها المؤسسات والهيئات الإجتماعية الأخرى، فان كان هناك نقص تلافته، وإن كان هناك فراغ ملأته.

3-المدرسة أداة تنسيق: إذ تقوم المدرسة بتنسيق الجهود التي تبذلها سائر المؤسسات والهيئات الإجتماعية في سبيل تربية النشئ، وتظل على إتصال دائم بها لترشدها الى أفضل الأساليب التربوية. ومما لاشك فيه ان المدرسة هي المرجع الأساسي في كل ما يتعلق بعملية التربية.

    على أن ما ينبغي التوكيد عليه ان المدرسة  لن تستطيع ان تحقق أهدافها التربوية أو ان تؤدي رسالتها على خير وجه، إلا إذا إتقت شر الإنعزالية عن المجتمع، وركزت على خدمته، وإنفتحت على البيئة وأخذت بالجيد، وأمسكت بزمام المعاصرة، وهي ترتكز بقوة الى تراث مجتمعها وأصالته، وإهتمت بمستقبل الطفل وحاضره على حد سواء.إن مدرسة كهذه هي التي يعول عليها في صياغة الإنسان وإعداده وكسبه المعارف والمهارات والإتجاهات المناسبة والمرغوب فيها، ليكون تكيفه مع بيئته على خير ما يرام.

مداخل تضمين التربية البيئية في المناهج الدراسية

أشرنا بأن البيئة تعتبر جزءا اساسيا وهاما من مكونات المنهج المدرسي التربوي، وتعد صحة البيئة المدرسية اهم عامل في خفض نسبة انتشار الامراض.ويمكن التحكم في انتشار كثير من الامراض عن طريق الاهتمام بصحة البيئة المدرسية،بما يعني كل ما يحيط بالمعلم والمتعلم من عوامل، سواء كانت حية او غير حية طبيعية او عكس ذلك.

    هناك 3 مداخل لتضمين التربية البيئية في المناهج الدراسية، وهي: مدخل الوحدات الدراسية، والمدخل الإندماجي، والمدخل المستقل.وفيما يلي توضيح لكيفية توظيف هذه المداخل الثلاثة في المناهج الدراسية على مستوى المدرسة:

مدخل الوحدات المستقلة

يعتمد على هذا المدخل على تضمين وحدة دراسية او فصل دراسي Chapter في أحدى المواد الدراسية، أو توجيه منهاج مادة دراسية بكامله توجيهاً بيئياً.ومن الأمثلة على تضمين المناهج وحدة دراسية وحدة البيئة والتكييف في كتاب الأحياء للصف التاسع الأساسي، ووحدة البيئة- مواردها، مشكلتها في كتاب الأحياء الأساسي للصف العاشر الأردني، ووحدة المشكلة السكانية، ووحدة مشكلة الطاقة، في كتاب الجغرافيا، وغيرها.على ان بعض وزارات التربية والتعليم في العالم قد إستحدثت منهاجاً دراسياً كاملاً يناقش قضايا البيئة في الصفوف الثانوية، ومنها على سبيل المثال مادة علوم الأرض والبيئة للصف الأول ثانوي علمي في الأردن.

المدخل الإندماجي

ويتمثل هذه المدخل بتضمين البعد البيئي في المواد الدراسية التقليدية، عن طريق إدخال معلومات بيئية، أو ربط المضمون بقضايا بيئية مناسبة.وليس من شك في ان فاعلية مثل هذا التوجه يعتمد بشكل أساسي على إتجاهات المعلمين وجهودهم وفعاليتهم، غير مقللين من جهود الإدارات المدرسية والإشراف التربوي.

وتعد كل المباحث التعليمية لكل الصفوف الدراسية في المدرسة مؤهلة لتنفيذ هذا المخل، إذ يمكن تضمين مناهج اللغات نصوصاً بيئية وتوجيه الطلبة في حصص التعبير للكتابة عن موضوعات بيئية، وفي مبحث الرياضيات يمكن إستخدام أمثلة للعمليات الحسابية المختلفة من واقع البيئة ومكوناتها وعناصرها، وذكلك الحال في باقي المباحث.

المدخل المستقل

ويتمثل هذا المدخل في برامج دراسية متكاملة للتربية البيئية كمنهاج دراسي مستقل.وإذا كان مثل هذا المدخل مناسباً لمرحلة التعليم قبل المدرسي( رياض الأطفال) فانه يناسب أيضاً مرحلة التعليم الإبتدائي  (الصفوف الأساسية الستة ألأولى)، ذلك لأن التلاميذ في هاتين المرحلتين غير معنيين بتفريغ المعرفة، وينظرون الى الظاهرة او المشكلة نظرة كلية شمولية، كما ان المعلمين أيضاً يستطيعون تدريس ذلك المنهاج بسهولة، لأن المضمون لا يشتمل على عمق علمي.وعلى الرغم من ذلك تجدر الإشارة الى ان هذا المدخل غير منتشر في مناهج التعليم العام، ولكنه أخذ في الإنتشار في مجال التعليم العالي.

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة التاسعة:

دور الاعلام في نشر الوعي البيئي وحماية البيئة

 

تطورت وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية في العقدين الأخيرة بشكل كبير، وأصبحت تلعب، خاصة المرئية والمسموعة معاً، دوراً كبيراً في نشر الوعي والثقافة الجماهيرية.وأضحى للإعلام  دور متميز في حماية البيئة، لكن هذا الدور ما يزال بارزاً،لأسباب عديدة ومعروفة، في الدول المتقدمة فقط..على أنه  ثمة خطوات بسيطة بدأ الإعلام في الدول النامية يخطوها في هذا الإتجاه، في السنوات الأخيرة، مع بوادر الإنفتاح على الحياة الديمقراطية، نأمل ان تتعزز وتتسع..

  الإعلام و الوعي البيئي :

يوكد الخبير البيئي الأستاذ الدكتور عصام الحناوي بأن الإعلام عن قضايا البيئة ليس جديداً، فمنذ أكثر من 100 عام أنشئت جمعيات أهلية للحفاظ على الحياة البرية، وكان من نشاطاتها إعلام الناس عن فوائد الحياة البرية وضرورة صونها.وإتخذت تلك الجمعيات من الصحافة والمجلات العامة وسائط لنشر رسالتها ،وأصدر البعض منها المجلات العلمية العامة، التي أولت البيئة الطبيعية إهتماماً خاصاً، مثل مجلة  "الجغرافيا الوطنية" ،التي صدرت في أمريكا.ومنذ منتصف القرن العشرين، ومع تزايد نشاط الحركة البيئية، خاصة في أمريكا وأوربا، إهتمت وسائل الإعلام الأخرى، مثل الإذاعة والتلفزيون، إهتماماً متزايداً بقضايا البيئة المختلفة.

ويختلف إسلوب معالجة قضايا البيئة في وسائل الإعلام إختلافاً كبيراً، فبينما تركز بعض المجلات العلمية العامة على طرح قضايا البيئة بصورة دورية، بتعمق وإسلوب علمي، تتوقف تغطية وسائل الإعلام العامة لهذه القضايا على الأحداث أو التطورات المثيرة، التي يمكن تقسيمها الى قسمين رئيسيين:

    الكوارث البيئية ( مثل حوادث الضباب القاتل، الذي حدث في لندن 1952، وفي نيويورك عام 1963،أو حادث الإنفجار في مصنع كيمياويات سيفيزو في ايطاليا عام 1976،أو غرق ناقلة النفط أموكوكاديس عام 1978،أو حادث بوبال في الهند عام 1984،أو حادث تشرنوبيل عام 1986، أو حادث ناقلة النفط أكسون فالديز عام 1989).

    والأحداث السياسية أو العلمية المستجدة، مثل عقد بعض المؤتمرات، كمؤتمر إستوكهولم عام 1972، وقمة الأرض عام 1992، والقمة العالمية للتنمية المستدامة في جوهانسبورغ 2002.

    وتحكم وسائل الإعلام على القيمة الأخبارية للكارثة او الحادث من عدد ضحاياه وأضراره المادية. فعادة يتم التركيز على الكوارث النادرة الوقوع بالرغم من أن ضحاياها في معظم الأحوال أقل بكثير من الحوادث العادية الكثيرة الوقوع.فمثلاً تصبح حوادث السيارات ذات قيمة إخبارية عند وقوع حادث تتصادم فيه عدة سيارات مرة واحدة، بينما لا تشكل حوادث السيارات الفردية أكبر من عدد ضحايا الحادثة التي تصادمت فيها عدة سيارات.

    ويعتمد التلفزيون في عرض الكوارث البيئية على المؤثرات الدرامية ( مثل النيران المشتعلة، والإنفجارات، والمحن الإنسانية). كما تعتمد وسائل الإعلام الأخرى على الجوانب الدرامية للأحداث أكثر من الجوانب الموضوعية.ويؤدي هذا الميل الى الإشارة الى عدم دقة الأخبار التي تقدمها وسائل الإعلام عن المخاطر البيئية.ففي معظم الأحوال لا توضع المخاطر في منظورها السليم، وهذا من شأنه ترك المجال للتكهنات والتفسير غير السليم، ولاسيما في غياب المعلومات الأساسية.

    ففي أعقاب حادث بوبال في الهند عام 1984 كشف تحليل لـ 953 خبراً مطبوعاً ومذاعاً عن الحادث في الولايات المتحدة الأمريكية ان معظم ما ذكر ركز على الحادث نفسه، دون تعليق علمي،أو مناقشة للعوامل الإجتماعية والإقتصادية التي أدت الى نقل هذه التكنولوجيا الى الهند وإذا ما كانت هذه التكنولوجيا مناسبة أو  لا.

    ولا تدل خطورة الكارثة البيئية،بالضرورة، على قيمتها الأخبارية.فهناك عوامل إقتصادية وسياسية تتدخل في عملية التغطية الإعلامية.فوسائل الإعلام تريد ان تعرف أولاً اين وقعت الكارثة ومن هم ضحاياها.فحادثة في دولة غربية تلقى تغطية إعلامية أطول وأشمل من حادثة تقع في دولة شرقية أو نامية، إلا إذا كانت الحادثة ستؤثر على دول او مصالح غربية ( مثل حادثة  تشرنوبيل). من ناحية أخرى تختلف التغطية الإعلامية للحوادث البيئية من المناطق الحضرية الى المناطق الريفية داخل الدولة نفسها، فيتم التركيز والتغطية الأشمل للحوادث التي تقع في المناطق الحضرية.

    على أنه ،بالرغم من هذه السلبيات، لعبت وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تقوية إهتمام الجماهير بقضايا البيئة. ومن ناحية أخرى، لعب إهتمام الجماهير بقضايا البيئة دوراً هاماً في تحريك الإعلام للإهتمام بهذه القضايا.ويحسب للإعلام دوره في الضغط على الحكومات في بعض الدول للتعامل مع بعض المشكلات البيئية القومية والأقليمية( مثل تدفق المساعدات على الدول الأفريقية التي تعرضت للجفاف الشديد في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي).

ولقد تطور الأعلام كثيراً، فأصبح الآن يعتمد على الإنترنيت والإذاعة والتلفزيون، الخ.وأصبح الإعلام البيئي أحد المقومات الأساسية في الحفاظ على البيئة.وأهم أهداف الأعلام البيئي هو تحقيق الوعي وتنمية الحس بالبيئة.

    وتتمثل مهمة الإعلام البيئي  في إستخدام وسائل الإعلام جميعها لتوعية الإنسان، ومده بكل المعلومات التي ترشد سلوكه، وترتقي به الى مسؤولية المحافظة على البيئة.وتعتبر وسائل الإعلام بكافة أشكالها  المصدر الرئيس للمعلومات حول البيئة، ولها أثر كبير.

   الباحثون يصنفون  وسائل الإعلام الى ما يلي:

- وسائل الإعلام المقروءة: الصحف والمجلات.

- وسائل الإعلام المسموعة: الإذاعة.

- وسائل الإعلام المرئية: التلفاز والإنترنيت.

- وسائل الإتصال الشخصي، كالمقابلات الشخصية والمحاضرات.

- المتاحف والمعارض وتجارب المشاهدات التوضيحية.

برامج واستراتيجيات الأعلام البيئي

لقد أصبح واضحاً بإن حماية وسلامة الموارد البيئية والتراث هي مسؤولية كل مواطن، وهذا يتطلب وعياً إعلامياً بيئياً تربوياً، لذلك يجب تطوير الوعي البيئي عند المواطن للتعامل مع البيئة بحكمة ورشد. فلابد من وجود أستراتيجية للتوعية البيئية لكي تسعى لتطوير القدرات البيئية في مجالات التعليم والتوعية والإتصال البيئي لغايات المحافظات على عناصر البيئة، والعمل معها بعقلانية لتحقيق تنمية مستدامة تسهم في تحسين نوعية الحياة للمواطن، والرفاه للأجيال.

أهمية الحملات الإعلامية

منذ نحو ثلاثة عقود دعا مؤتمر تبليسي  الدولي الحكومي للتربية البيئية الى إيلاء أهمية خاصة لبرامج واستراتيجيات الإعلام البيئي، موصياً الدول الأعضاء بان تنظم حملة إعلامية بشأن المشكلات البيئية التي لها أهمية على الصعيدين الوطني والأقليمي، مثل المياه العذبة، لتعزيز التوعية العامة  للجمهور..وان تقدم الحكومات المساندة المطلوبة لأنشطة التعليم البيئي غير النظامي..وأن تضع الحكومات برامج للتربية البيئية، وأن تشجع وضعها على مستوى التعليم النظامي وغير النظامي، وان تستعين في ذلك بالهيئات والمنظمات المعنية حيثما أمكن، وان تتضمن استراتيجيات التربية البيئية في الدول الأعضاء إعداد برامج تقدم معلومات عن الأنشطة الراهنة والمستقبلية التي قد يكون لها تأثير كبير على البيئة، وينبغي لهذه البرامج ان تبرز أهمية مشاركة عامة المواطنين والمنظمات غير الحكومية في عملية إتخاذ القرارات في هذا الصدد.

    وركز المؤتمر على إستخدام وسائل الإعلام الجماهيري الواسعة، من صحافة وإذاعة وتلفزيون، لتشجيع نشر المعارف عن حماية البيئة وتحسينها، وتنظيم الدورات التدريبية للمحررين لهذا الغرض.

    وفي يومنا هذا،أصبحت المحطات التلفزيونية الفضائية، والبث الفضائي المباشر، تشكل  عصب الاتصالات الدولية، بعد ان الغت المسافات، وحولت العالم بالفعل الى قرية عالمية، اذ غدا الاعلام يشكل قضية سياسية في عصر تكنولوجيا الاتصال الجماهيري، حيث اتاحت اجهزة الاتصال الالكترونية الاتصال السريع والمباشر، ومعايشة الاحداث لحظة بلحظة، بعد ان تحقق ما يسمى بـ (البث التلفزيوني الفضائي المباشر)..

    والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو الى اي مدى باتت هذه القنوات الفضائية تسهم في نشر وتعزيز الوعي البيئي لمجموع مشاهديها ؟ وهل يتناسب ما تسهم به هذه القنوات في هذا المجال بما تحضى به من قدرات وامكانات وخصائص؟..

 

 

 

 

 

المحاضرة العاشرة:

التربية البيئية بين الواقع والأمل

 

 

معالم أستراتيجية عربية للتربية البيئية.. دون فعل جاد

    قبل ثلاثين عاماً عقدت في الكويت "الندوة العربية للتربية البيئية"، خلال الفترة من 21 – 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1976، وذلك من أجل وضع أستراتيجية عربية للتربية البيئية إستعداداً للمؤتمر الدولي الحكومي للتربية البيئية، الذي ينعقد في تبليسي في أكتوبر 1977.وتمخضت الندوة عن نتائج أعتبرت من الوثائق ذات الأهمية في مؤتمر تبليسي. ومما جاء فيها:

  لما كان النمو الصناعي والزراعي والإجتماعي في العالم قد أدى الى تدهور مكونات البيئة، فأصبحت حمايتها وتطويرها وتحسينها من الأمور الملحة والعاجلة، الأمر الذي يبقى قاصراً ما لم تتبن الدول استراتيجية تربية بيئية توجه الى جمهور المواطنين، سواء في القطاع المدرسي أو في القطاع غير المدرسي .. واَخذاً في الإعتبار الخطوات السابقة في هذا المضمار،والتي تتمثل في التوصية 96 الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة في ستوكهولم عام 1972، وبرنامج المشروع المشترك بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة واليونسكو المتعلق بالتعليم الخاص بالبيئة ، في مطلع عام 1975، وندوة بلغراد الخاصة بالتربية البيئية في أكتوبر 1975،والتي صدر عنها ميثاق بلغراد، الذي يعتبر أساس كل عمل مستقبلي في مجال التربية البيئية، وجهود المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والتي أكدت جميعها ضرورة إيجاد نظام تعليمي يهتم بالبيئة يشمل كل درجات التعليم، ويتوجه للجميع من أجل تعريفهم بالبيئة، وبالعمل البسيط الذي يمكن ان يقوموا به وفي حدود طاقاتهم لتدبير أمور بيئتهم وحمايتها، سواء أكانت بيئة مادية او إجتماعية..وإنطلاقاً من الإحساس بالحاجة الملحة الى ضرورة بناء خطة عربية  للتربية البيئية، فقد توصل المجتمعون الى منطلقات لأستراتيجية عربية، يمكن تلخيص أهم معالمها وسماتها في ما يلي:

    أولاً- تطعيم مناهج التعليم بمختلف أنواعه ومراحله بالتربية البيئية بشكل متكامل مع المقررات الدراسية المختلفة في التعليم العام، وبشكل منفصل في مراحل التعليم الجامعي.

    ثانياً- إمداد المواطنين في جميع الأعمار، وعلى مختلف المستويات، بالقدر المناسب من التربية البيئية، وذلك عن طريق وسائل الإعلام ونشاط الجمعيات المعنية.

    ثالثاً- الأخذ في الإعتبار برامج التنمية الشاملة في العالم العربي.

    رابعاً- الأخذ في الإعتبار الأمكانات العربية المتاحة للتربية البيئية.

    خامساً- الأخذ بعين الأعتبار ان البيئة كل لا يتجزأ،ولذا يجب ان تشمل التربية البيئية كل مجالات البيئة الإقتصادية، والتكنولوجية، والإجتماعية، والتشريعية، والثقافية، والجمالية.

    سادساً- التأكيد على أهمية قيام مشاركة فاعلة في توقي حدوث الأضرار والأخطار التي تتعرض لها البيئة.

    سابعاً-البحث في قضايا البيئة بنظرة قومية وعالمية، مع مراعاة الفوارق الأقليمية.

    ثامناً- التوجه الى الأوضاع الحالية والمستقبلية بالبيئة.

    تاسعاً- البحث في جميع قضايا التنمية من منظور بيئي.

   عاشراً- التمسك بقيمة وضرورة التعاون والتنسيق المحلي والقومي والدولي في حل مشكلات البيئة.

   لقد مرت ثلاثة عقود كاملة على صياغة هذه المنطلقات الأستراتيجية المهمة،وهي تتسم بالموضوعية، وقابلة للتحقيق، لو رافقها فعل وجهود رسمية جدية وفاعلة لتنفيذها،ولتحققت في الوطن العربي طفرة نوعية في المسألة البيئية، وفي التنمية الوطنية، ولأزدهرت التربية البيئية..

    في إفتتاحيته الشهرية،يعرض الباحث البيئي نجيب صعب- رئيس تحرير مجلة " البيئة والتنمية"- حادثة ذات دلالة تؤكد ما ذهبنا إليه.يقول:كنا في المنامة مع مجموعة من الخبراء لبحث المساهمة العربية في تقرير توقعات البيئة العالمية الرابع (جيوـ4) الذي يحضّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة لاصداره سنة 2007. فلاحظنا أن التقرير الثالث, الذي صدر عام 2002, تضمن أربعة سيناريوهات كانت نتائجها جميعاً كارثية على العالم العربي. وحاولنا اقتراح أسس لاتجاه إيجابي, يضع المنطقة العربية على الطريق الصحيح نحو تحقيق تنمية قابلة للاستمرار..أحد الزملاء اقترح أن تكون "مبادرة" جامعة الدول العربية إلى مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبورغ عام 2002 أساساً للمساهمة العربية في التقرير العالمي الجديد. فعدنا الى نص هذه "المبادرة", التي لم تتجاوز إعلان النيات والمواقف العمومية, ولم تضع أي خطة عمل أو آليات للتنفيذ. ولاحظنا أن "المبادرة" حددت, في فقرتها الأخيرة, 3 مجالات ذات أولوية, هي الموارد المائية ومكافحة التصحر وادارة المناطق الساحلية, ووعدت بأن "البرامج الثلاثة والمشاريع ستكون جاهزة للاعتماد من خلال الآليات الاقليمية في أواخر تشرين الأول / اكتوبر 2002".وحين طلبنا مراجعة البرامج والمشاريع الموعودة, فوجئنا أنه بعد مرور سنتين على الموعد, لم يتم إعداد أي برنامج أو مشروع لتحويل النص العام الى مبادرات فعلية. فهل تقتصر المساهمة العربية في تقرير سنة 2007 على تمنيات خطابية, تقودنا من كارثة الى أخرى؟ وتساءل بعضنا: لماذا لا تتجاوز مؤسساتنا البيئية, المحلية والاقليمية, العناوين العامة إلى التفاصيل ؟..

  ويضيف:فيما تغرق مؤسساتنا البيئية في العموميات, يستمر التدهور البيئي على مدى العالم العربي. على الأقل, فلتجمع هذه المؤسسات أرقام البنك الدولي عن التدهور البيئي, من خلال الدراسات التي نشرت في السنتين الماضيتين. فهي تظهر أن العالم العربي يخسر سنوياً أكثر من 20 مليار دولار لأسباب بيئية, بخاصة تلوث الهواء والتربة والمياه وتدهور المناطق الساحلية. الخسارة الاقتصادية من التدهور البيئي تتجاوز 3 مليارات دولار في مصر وحدها, أي نحو 5 في المئة من مجمل الناتج القومي. وهي تصل الى 700 مليون دولار في سورية، و500 مليون دولار في لبنان. هكذا, فخسارة العرب الاقتصادية من اهمال البيئة تتجاوز كل معدلات النمو. إذاً, نحن واقعياً في حال إفلاس.

   ويختتم صعب:آن الأوان لنضع الأصبع على الجرح, ونطوّر خططاً عملية تكون بديلاً للواقع المخزي والسيناريوهات السقيمة.

    ولو راجعت إجتماعات مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة لوجدت ان نجيب صعب لم يكن قاسياً في طرحه.فالوزراء ناقشوا قضايا ساخنة كثيرة، وأصدروا قرارات عديدة.. ولكن، أين التنفيذ ؟

خذ مثالاً: قرر وزراء البيئة ‏في ختام اجتماع دورتهم الـ16، في 8/12/2004، عقد اجتماع خاص لتقييم الوضع البيئي في العراق، ‏وتحديد متطلبات واحتياجات الدعم التقني وبناء القدرات البيئية فيه. وقرر مجلسهم، بعد دراسته تقرير حول الحروب في العراق وتحقيق التنمية المستدامة،  دعوة برنامج الامم المتحدة للبيئة، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا ‏(اسكوا) بتنسيق جهودهما حيال انشطة متعلقة بالعراق،والاستفادة من خبرات المنظمات العربية المتخصصة واشراكها في ‏هذه الانشطة لاعادة اعمار وتاهيل ما دمرته الحروب في العراق.. وفي الشان الفلسطيني اتخذ المجلس قرارا باعداد دراسة حول المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن مفاعل ديمونه ‏واثرها على المنطقة العربية وجدوى وضع خطة ‏عربية لمواجهة اي احتمالات لكارثة قد تقع نتيجة وجود المفاعل، وتكليف برنامج الامم المتحدة للبيئة اجراء دراسة ‏ميدانية حول التدهور البيئي الناتج عن الممارسات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة.. فما الذي تحقق ؟ وهل تابع أحد تنفيذ هذه القرارات وغيرها ؟

واقع الحال والتطلعات   

    أكدت التجارب بأن التربية البيئية قد تطورت في بعض المجتمعات المتقدمة قبل الحركة التي نشطت عقب الأعلان العالمي للبيئة، الذي صدر عن مؤتمر البيئة البشرية في ستوكهولم عام 1972، وذلك إستجابة للمشكلات البيئية الملحة، التي بكرت في الظهور في هذه المجتمعات..إلا ان التربية البيئية لم تتبلور كفكر متكامل وإتجاه واضح المعالم إلا بعد الجهود المنسقة التي أعقبت المؤتمر المذكور.

    وعلى الرغم من ان التربية البيئية قد إجتازت مرحلة الجدل والإقناع، إلا أنها لا زالت في الكثير من المجالات، والكثير من البلدان، خططاً واَمالاً لم تدخل في حيز الواقع.. فالكثير من قادة الدول لا زالوا ينظرون الى الأدخنة فوق عواصمهم ببهجة وسرور على اساس ان الأدخنة علامات للتقدم.. وما زال الكثير من المعماريين يبشرون ببناء المصانع بالقرب من المناطق السكنية.. ولا زالت مطارات تقام على مشارف المجمعات السكنية.. ولا زالت سدود تقام دون إعتبار للآثار البيئية الجانبية التي يمكن ان تنشأ. وقصة السد العالي، على سبيل المثال، قد دخلت المراجع الحديثة في العلوم البيئية. فالبعض يرى ان التخطيط لبناء السد لم يضع في الإعتبار الآثار الجانبية التي حدثت فعلاً..والأسماك لا زالت تلاحق بالمفرقعات ووسائل الصيد التي لا تفرق بين كبيرها وصغيرها الذي لازال في طور النمو..والطيور وحيوانات البر الأخرى لا زالت تتعرض للملاحقة المكثفة بتقنيات متطورة لا تراعي حرمة مواسم التكاثر، ولا ترتدع بالتشريعات التي تسنها الدول لحماية الأحياء وبخاصة النادرة منها.. ولا زالت الحرائق المقصودة تُشعل في الغابات والحدائق والمتنزهات دون إعتبار للأذى الذي يلحق بالنباتات والتشويه الذي يصيب أماكن الترويح التي هي رئات للمدن..والكثير من الصناعيين لا زال همه إزدهار منتوجاته، ولو كان على حساب نوعية حياة الناس.ولعل الدليل على ذلك التشريعات الكثيرة التي تسنها الحكومات من أجل حماية البيئة من الملوثات المتنوعة التي تنجم عن العمليات الصناعية.ولاشك ان الأفضل من التوسع في سن التشريعات إتاحة الفرصة لرجال الصناعة بالإنخراط في برامج خاصة للتربية البيئية تبصرهم بما تفعله مصانعهم في البيئة البشرية.

وبالمقابل، هناك حركة نشطة تغذ الخطى نحو بناء مناهج وبرامج للتربية البيئية في كل المجالات ولكل قطاعات المجتمع البشري.. فالكثير من المناهج الدراسية اليوم تستوعب قضايا البيئة في نسيج المواد الدراسية بالمراحل التعليمية المختلفة، لأن البيئة ليست بحثاً او مقرراً دراسياً منفصلاً عن المقررات الدراسية المعروفة، بل على العكس فان تحقيق وتعميق أهداف التربية البيئية لا يتأتى إلا بتطعيم مختلف المواد الدراسية من لغات وإنسانيات وفنون وعلوم وغيرها بقضايا بيئية.. ولعل الأفضل ان تأخذ المناهج الدراسية البيئية إتجاه لها.وهذا هو الفكر الذي بدأ يأخذ طريقه الى المقررات الدراسية في مراحل التعليم، بما فيها الجامعة أحياناً.. فيدرس الأبناء اليوم مقررات محورها الإنسان، وإتجاهها البيئية، فمنهاج الإنسان والبيئة، الذي أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للمرحلة المتوسطة على مستوى الوطن العربي بدأ يؤثر في مناهج الكثير من الدول العربية لأنه يطرح البيئة بمفهومها الشامل المتكامل بهدف تنمية وعي بيئي لدى الناشئة يمكنهم من التعامل مع البيئة من منطلق حمايتها وتحسينها.. والإنسان والطاقة منهج دراسي يدرسه الأبناء في الكثير من دول العالم. والطاقة مشكلة ، بل لعلها أزمة، والمناهج تطرح للأبناء مفهوم الطاقة وأهميتها ومصادرها وترشيد إستهلاكها والبدائل المتاحة.. والتربية الصحية اليوم تطرح بمنطوق بيئوي لأن غالبية الأمراض تنشأ من ملوثات بايولوجية.. ومشكلات البيئة الرئيسية أصبحت تطرحها المناهج الدراسية من خلال اَثارها الإجتماعية والأقتصادية.فالتلوث له اَثار إجتماعية ، وكذلك نقص الغذاء، وتزايد السكان، والنقل ، وغيرها..

وخلاصة القول فان التعليم النظامي ( المدرسي ) بدأ يلتفت- كما أشرنا- الى مشكلات البيئة ويستوعبها في المقررات الدراسية المختلفة على أساس الإقتناع بان التربية البيئية في إطار الأنظمة التربوية المدرسية تساعد على فهم أفضل للجوانب الإنسانية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية للحياة.. والتربية البيئية اليوم تبدأ من مستوى رياض الأطفال وتسير قدماً حتى تغطي باقي مراحل التعليم.ولما كانت التربية البيئية في مفهومها الأساسي، وفي تطبيقها معاً، تجمع بين شتى فروع العلم، فأنها تدمج في البرامج الدراسية المختلفة على كل مستوى من مستويات التدريس.. ففي مراحل التعليم العام تتضمن المناهج الدراسية فيما تتضمنه مواد تنبه عند الناشئة ملاكات الفضول والملاحظة والتفسير، وتتضمن أيضاً المعارف الأساسية عن ترابط جميع عناصر البيئة وواقع هذه الترابط على حياة الإنسان الإجتناعية والثقافية.. وتتضمن المناهج الدراسية أيضاً الإدراك العلمي للبيئة الطبيعية ولما فيها من وقائع ووظائف، كما تتضمن تبصيراً بالمنهج السليم في الأغتراف من الموارد الطبيعية، سواء منها ما يتجدد وما لا يتجدد.. والموارد التي تتجدد، يكون لها بلا شك، أهمية خاصة.

    ولا يفوتنا ان نشير الى إجتماع خبراء التربية البيئية العرب، الذي إنعقد في الكويت،أبريل 1978، بالتعاون بين المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، واللجنة الوطنية الكويتية للتربية والثقافة والعلوم،وكان هدفه بناء وحدات مرجعية في التربية البيئية توجه الى مخططي البرامج ومصممي الوسائل التعليمية وواضعي برامج أعداد المعلمين في الوطن العربي للإسترشاد بها في إستيعاب أهداف التربية البيئية في المقررات الدراسية.

    وقد عرف الخبراء العرب الوحدة المرجعية على إنها كل متكامل من الخبرات والنشاطات المتعلقة بالبيئة يربط بينهما محور معين.وقد أختير "وطني" محور لوحدة مرجعية للمرحلة الإبتدائية تتكامل فيها مختلف المقررات الدراسية في إطار أهداف التربية البيئية التي تسعى أساساً الى ترشيد سلوك الإنسان في البيئة.وفي المرحلة المتوسطة أختيرت " الموارد الطبيعية" محوراً  للوحدة المرجعية، تتناول المقررات الدراسية المختلفة ضمن العلاقة المتبادلة بين الإنسان وموارد البيئة ( الدائمة والمتجددة وغير المتجددة) في إطار ملامح رئيسية خمسة، هي: تأثير حياة الإنسان بموارد البيئة المختلفة، وتأثير توزيع الجماعات البشرية بموارد البيئة، وتأثير الثقافة البشرية بالموارد الطبيعية، وتأثير الثورة الصناعية على الموارد الطبيعية، وإرتباط  بقاء الإنسان بحسن إستغلال الموارد الطبيعية.

أما في المرحلة الثانوية فقد أختيرت " الطاقة والإنسان" كمحور للوحدة المرجعية، تتناول مختلف المقررات الدراسية ضمن العلاقة بين الإنسان والطاقة وذلك في إطار تنمية إتجاهات إيجابية للطلاب نحو البيئة وحسن إستثمار الطاقة والتغلب على المشكلات الناجمة عن إستخدامها.

     وأما التربية البيئية في التعليم غير النظامي ( غير المدرسي) والذي يطلق عليه البعض " الإعلام البيئي" أو " الثقافة البيئية" او " التوعية البيئية"- كما أسلفنا- فتتعدد أجهزتها وبرامجها ونشاطاتها.. فالى جانب الهيئات الرسمية التي تخصص جزءا كبيراً من نشاطها للتربية البيئية بكافة صورها تنشط حركة للتربية البيئية على مستوى القطاعات غير الرسمية.. فإتحاد التربية البيئية الذي أسس في أوائل السبعينيات بالولايات المتحدة هو تحالف لثلاثين منظمة كبيرة تهتم بمجال أو اَخر من مجالات التربية البيئية، وقد بلغت ميزانية الإتحاد في السنوات الخمس الأخيرة حوالي 14 مليون دولار،خصص نصفها للتربية البيئية في التعليم النظامي، والباقي صرف على نشر المعلومات، وتدريب المعلمين، والتخطيط لمراكز الدراسات البيئية، وبرامج التربية للمواطنين، وفي إختبار وتقييم  النشاطات البيئية.. وفي الولايات المتحدة أيضاً ظهرت منظمات بيئية متحمسة، منها:" أصدقاء الأرض"، و" جماعة النمو السكاني الصغرى"، و " منظمة حماية الطبيعة"، والتي هدفها شراء الأراضي للمحافظ على مناطق ترويحية للأطفال..

   وفي ألمانيا ظهر في إحدى المقاطعات حزب أخضر يضم أنصار حماية البيئة، وقد حصل هذه الحزب على نسبة مئوية عالية من الأصوات في إنتخابات البرلمان ( ألبوندستاغ) مما يعني أن أنصار حماية البيئة أصبحوا يضغطون على السياسيين لأخذ حماية البيئة وتحسينها في الإعتبار عند مناقشة قضايا البيئة، وإلا فانه سوف يحرمون من الأصوات مستقبلاً. وتكمن قوة " حزب الخضر" في العدد الضخم من العناصر الشابة، التي إنظمت الى صفوفه مؤخراً..

   وفي الإتحاد السوفياتي السابق كانت هناك حركة أهلية واسعة لحماية الموارد الطبيعية تكثر من عقد الندوات وإصدار النشرات وإعداد البرامج في الأذاعة التلفزيون بهدف توعية المواطنين بالمشكلات التي تمزق البيئة والتي غدت تشكل خطراً على مستقبل الإنسان..

   وفي دول شمال أوربا هناك المجلس الأعلى للتربية البيئية الذي يخطط سياسة التربية البيئية لكل مستوياتها.وتعتبر دول شمال أوربا من أكثر الدول إهتماماً بالبيئة، كما ان شعوبها تتمتع بمستوى عالي من الوعي البيئي..

   وفي الدول العربية هناك جهود تبذل لتوعية المواطنين بكافة مستوياتهم بقضايا البيئة حتى يمكن لكل منهم ان يساهم بحدود موقعه وإمكاناته.غير أن ما يؤخذ على برامج التربية البيئية الكثيرة التي تقدم للجماهير في العديد من الأقطار العربية مأخذين:

- التخصص الدقيق في طرح بعض قضايا البيئة، وعدم تبسيطها، وتحليل عناصرها بشكل يجذب الناس. مثال ذلك ما نقرأ أو نسمع عن الربط بين البيئة والتنمية، او البيئة والصناعة، او البيئة والتخطيط الشامل، وغيرها.ومع أهمية هذه القضايا إلا ان الكثير من الناس لا يستطيعون تبين موقعهم ودورهم مع هذه القضايا، وهذا بلا شك يفسر عزوف الكثيرين عن متابعة البرامج التي تقع ضمن هذا الإطار لأنهم يشعرون أنها لا تخصهم، بل هي موجهة لغيرهم.

- التبسيط المفرط في طرح الكثير من قضايا البيئة،الذي يفصم عرى إرتباطها بالإطار التكاملي للبيئة. فعندما تسعى بعض الجهات الى توعية وتبصير الناس كافة ان يساهموا به في مجال حماية البيئة تحجم هذا الدور ليصبح رديفاً للنظافة. وحتى تناول موضوع النظافة بالوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية، يحجم ليصبح رديفاً للعناية في إلقاء وجمع القمامة.فالنظافة لا ترتبط فقط بالقمامة، فهناك الحرائق وصيد الطيور والأسماك والرعي والطعام والضجيج..

     إن برامج التربية البيئية المتخصصة يجب ان تبسط وتحلل وتوضح دور كل فرد فيها.. والبرامج المبسطة يجب ان تكون أكثر تنويعاً، وتوضح موقعها في الإطار الشمل المتكامل للبيئة.

لعله من المفيد تكرار ما أشرنا إليه في فصل اَخر، وهو ان التربية البيئية إتجاه وفكر وفلسفة تهدف الى تسليح الإنسان في شتى أرجاء العالم( بخلق بيئي) او ( ضمير بيئي) يحدد سلوكه وهو يتعامل مع البيئة في أي مجال من مجالاتها.. الخلق البيئي يجب ان يكون العامل المؤثر في إتخاذ القرارات البيئية مهما كان مستواها.. بناء مدينة او إنشاء جسر أو شق طريق أو بناء سد او إقامة مصنع أو إصطياد سمك في نهر او التخلص من القمامة المنزلية او التنزه على شاطئ البحر او في حديقة عامة.. وحتى القرارات الأكبر على المستوى السياسي والإقتصادي يجب ان تحسب حساباً للبيئة في أطارها العالمي لأن المصالح البشرية واحدة، ومستقبل الجنس البشري واحد.." الخلق البيئي" معناه أن يعي الإنسان الوحدة والتكامل البيئي في عالمنا المعاصر، حيث يمكن ان تترتب على القرارات التي تتخذها البلاد المختلفة، وعلى مناهج سلوكها، اَثار على النطاق الدولي.. والمشكلة البيئية التي تحدث في بلد معين كثيراً ما تؤثر في بلاد أخرى بعيدة عنها.ولعلنا نذكر أزمة السكر التي نشأت في العالم جراء تعرض مزارع قصب السكر في كوبا لإعصار شديد.. وأزمة الرز التي عاشتها دول كثيرة عندما عطشت حقول الأرز في الدول الآسيوية المنتجة له بسبب الجفاف.. وأزمة البن التي عاشها العالم لأن المحصول في الدول المنتجة تدنى بسبب عوامل بيئية مختلفة..وحادثة تشرنوبيل التي طالت اَثار الإشعاع دولاً عديدة، مسببة لشعوبها السرطان والتشوهات الولادية..الخلق البيئي معناه التصرف بروح المسؤولية الشخصية والعامة لأن مسبب مشكلة ما ربما يكون هو أول المعرضين لأذاها.. وأخيراً وليس اَخراً، فان الخلق البيئي أو الضمير البيئي، الذي تهدف التربية البيئية الى إيجاده او تنميته عند كل إنسان في المجتمع العالمي، يعني ان يتكيف الإنسان من أجل البيئة لا أن يستمر في تكييف البيئة من أجله.. الخلق البيئي بإختصار معناه " التعايش مع البيئة"، وبذلك تسهم التربية البيئية في حماية البيئة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:

العربية:

1- جورج  شهلا وعبد السميع حربلي والماس شهلا حنانيا، الوعي التربوي ومستقبل البلاد العربية، بيروت، مكتبة رأس بيروت، 1972.

2- سميح أبو مغلي واَخرون، قواعد التدريس في الجامعة،عمان، دار الفكر، 1977

3- رشيد الحمد و محمد سعيد صباريني،البيئة ومشكلاتها،عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،1979.

4-محمد عدس وعدنان مصلح، رياض الأطفال، عمان، 1980

5- كليفورد نايت، المفاهيم الأساسية لعلم البيئة، ترجمة:قيصر نجيب، طارق محمد، وسهيلة الدباغ، وزارة التعليم العالي، الجمهورية العراقية، بغداد، 1983.

6- د. غازي أبو شقرا، في: الإنسان والبيئة في لبنان، منشورات اللجنة الوطنية اللبنانية للتربية والعلوم والثقافة( اليونسكو).

7-المحامي جوزف مغيزل- رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان،مقدمة كتاب:" البيئة وحقوق الإنسان"

8-مكتب اليونسكو الأقليمي للتربية في الوطن العربي، كتاب مرجعي في التربية السكانية( الجزء الخامس: السكان والبيئة في الوطن العربي)، عمان، 1990

9- د. مصطفى طلبة،التحديات والآمال:حالة البيئة 1972 – 1992، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992.

10- د. راتب السعود، الإنسان والبيئة ( دراسة في التربية البيئية)، دار الحامد، عمان، 2004.

11- د.عصام الحناوي، قضايا البيئة في مئة سؤال وجواب، البيئة والتنمية، بيروت، 2004

12-  التربية البيئية- مرجع عن البيئة العالمية-برنامج التعليم البيئي، مركز علوم صحة البيئة والمهنة، جامعة بير زيت.

الأجنبية :

 

1- Baes, C.F; H.G.Goeller, J.S.Olson and R.M.Rotty, The Global Carbon Dioxide Problem, ORNL, 5194, 1976

 

2-Ananichev, K.Environment: International Aspects, Current Problems, Progress,Moscoww, 1976

 

3-Carbon Dioxide and Climate, A Scientufic assessment, National Academy of Science, Washington  D.C; 1979.

 

4- UNEP,Global Environmental Monitoring System,Geneva,1984                      

 

5-Meadows,D. Harvesting One Hundred Fold, Key Concepts and Case Studies in Environmental Education, Nairopi, UNEP,1989..

 

 

 


محاضرات حول النظام التربوي

المحاضرة الأولى: مفهوم النظام التربوي

تمهيد:

النظام التربوي: هو مجموعة من التنظيمات والأساليب والقواعد  التي تتفاعل وتعمل معاً لتنظيم عملية التربية والتعليم، وتسيير شؤون التعليم، لإنماء القيم والمبادئ لدى المجتمع وترسيخها في الأفراد، والارتقاء بالشخصية المحلية ضمن إطار فلسفة الدولة والمجتمع. ويُعتبر النظام التربوي ذات استقلالية في كيفية اتخاذ الإجراءات والأنشطة المناسبة في تحقيق الأهداف المرجوة.

1ـ مفهوم النظام التربوي :

النظام التربوي في أي بلد هو عبارة عن مجموع القواعد والتنظيمات والاجراءات التي تتبعها الدولة في تنظيم وتسيير شؤون التربية والتعليم من جميع الجوانب . وهذه النظم التربوية عامة هي: انعكاس للفلسفة مصرحاً بها، ومعلناً عنها أم لا. وتتأثر النظم التربوية في العالم بمجموعة من العوامل الرئيسية وهي :

العوامل العلمانية ، والعوامل الدينية ، والعوامل الطبيعية.

أولاً : العوامل العلمانية :

تقسم العوامل العلمانية إلى مجموعتين هما : مجموعة النظم النمطية ومجموعة النظم التنوعية .

أـ مجموعة النظم النمطية : وتهدف إلى تشكيل نمط موحد من الأفراد بإخضاعهم لمؤثرات تربوية واحدة، وتنقسم إلى نوعين، نوع عقائدي أيدولوجي، ونوع ثقافي حضاري، فالنظم العقائدية الأيدولوجية تهدف إلى تحقيق أغراض عقائدية أيدولوجية كما هو الحال في النظم التعليمية في الدول ذات النظم الاشتراكية، إذ تلعب الفلسفة الماركسية اللينينية فيها دوراً أساسياً في تشكيل النظرية التربوية فيها.

أما النظم النمطية الحضارية: فهي تلك النظم التي تركز على الأسس الثقافية والحضارية من منطلقات قومية، كما هو الحال في نظام التعليم في فرنسا. وتقوم النظم النمطية على أسس مركزية حيث تقوم السلطة المركزية فيها بالمسؤولية الكبرى في الإدارة والإشراف وتوجيه التعليم على المستوى القومي .

ب ـ مجموعة النظم التنوعية: وخير مثال عليها ، نظام التعليم في الولايات المتحدة الامريكية  وفي انكلترا. وهذه النظم تنطلق من الإيمان بالتعدد والتنوع على أساس المبادئ الديمقراطية التي تقوم على حرية الاختيار. والإيمان بقيمة الفرد في ذاته، وتنمية قدرات وميول واستعدادات الأفراد بغض النظر عن العنصر أو الدين أو الجنس .

ثانياً : العوامل الدينية :

تؤثر العوامل الدينية بصورة مباشرة في النظم التربوية والتعليمية. بل إن فكرة إنشاء المدارس عبر التاريخ أول ما نشأت مرتبطة بالدين ومؤسساته. ويصدق هذا القول على الديانة المسيحية والديانة الإسلامية على حد سواء. فقد كانت قراءة القرآن والانجيل، وكذلك نشر التعاليم الدينية من أهم الدوافع لإنشاء المؤسسات التعليمية. بل إن المدارس نفسها اتخذت أحياناً وسيلة للدعاية لمذاهب دينية معينة، كما هو الحال في الجامع الأزهر، والمدارس النظامية، والمدرسة المستنصرية. وقد شهدت العلاقة بين الدولة والكنيسة صرعاً طويلاً ومريراً، انتهى بانفصال الكنيسة عن الدولة. أما في الإسلام فالعلاقة قوية وتختلف عنها في الديانة المسيحية، إلا أن النتيجة واحدة في الديانتين، وهو وجود نظامين تعليميين مستقلين، أحدهما مدني والآخر ديني وتقوم المدارس الدينية على أساس ديمقراطي، قوامه الاعتراف بحق كل طائفة في إنشاء المدارس الدينية الخاصة بها، و إذا كانت مسألة التعليم الديني لا تطرح مشكلة بالنسبة لنظام التعليم الديني بحد ذاته، إلا أّنها تفرض بعض المشكلات بالنسبة لنظام التعليم العام. وقد عالجت النظم التعليمية المعاصرة هذه القضية بأساليب متعددة، فبعضها أخذ بمبدأ عدم اعتبار التعليم الديني من مسؤوليات النظام التعليمي العام، كما هو الحال في النظامين الأمريكي والفرنسي .

أما النظم الأخرى كالنظام الانجليزي، فقد أخذ بمبدأ إدخال التعليم الديني ضمن مناهج الدراسة  إذ لجأ إلى أسلوب التوفيق والحل والوسط لمواجهة هذه المشكلات، حيث إنّ هناك لجنة مشتركة رسمية تضم الأطراف المعنية مهمتها وضع منهج التربية الدينية .

أما ما يتعلق بالدول التي تنص دساتيرها أو تشريعاتها على دين رسمي معين، كما هو الحال في الدول العربية والإسلامية، فإن التعليم العام يلتزم بتعليم الدين الرسمي، مع الاعتراف بحقوق الأقليات أو المجموعات الدينية غير المسلمة في تعليم أبنائها الدين الذي تريده .

ثالثاً : العوامل الطبيعية :

وتشمل العامل اللغوي، وعامل الجنس أو السلالة ، والعوامل الاقتصادية والجغرافية ، ولها دور هام في تشكيل النظم التعليمية .

 

المحاضرة الثانية:

مراحل تطور النظام التربوي في الجزائر

ـ التعليم الجزائري قبل الاستقلال

كان واقع التربية والتعليم في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي بخير, حيث كان العلم مقياس كل شيئ , وكانت المدارس والكتاتيب منتشرة عبر أرجاء الوطن لكن الاستعمار الفرنسي طبق سياسة التجهيل والفرنسة من أجل طمس الهوية وجعل الجزائريين دون مبدإ ولا عقيدة يعتزون بها . ورغم محاولات 132 سنة احتلال كانت المقاومة السياسية والثقافية على أشدها حيث أنشئت الجمعيات ومن بينها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كما فتحت كتاتيب القرآن وكذا مدارس التربية التي تبنتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها سنة 1931 م .

كما نشير أن العثمانيين في الجزائر لم يهتموا بميدان التعليم فلم تكن لهم وزارة للتعليم ولا أية مؤسسة مكلفة بهذا القطاع بل ترك الميدان مغتوحا للأفراد والجماعات يقيمون ما يشاؤون من مؤسسات دينية أو تعليمية . وقد قامت بهذا الدور الزوايا والمساجد التي كان يتعلم بها أبناء الجزائريين اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم إلى جانب العلوم الأخرى كالعلوم الشرعية وقواعد اللغة والنحو والسير والأخبار وغير ذلك. وإلى جانب ذلك كانت العائلات تقيم المدارس لأبنائها في القرى ةالدواوير وتكلف معلمين بتعليمهم وتوفر لهم كل وسائل عيشهم .

ويعترف الجنرال الفرنسي (( فاليزي )) عام 1834 م بأن وضعية التعليم في الجزائر كانت جيدة قبل التواجد الفرنسي لأن أغلبية العرب (الجزائريون) يعرفون القراءة والكتابة , إذ تنتشر المدارس في أغلبية القرى والدواوير . وصرح (( ديشي )) المسؤول عن التعليم العمومي في الجزائر : كانت المدارس بالجزائر والمدن الداخلية وحتى في أوساط القبائل كثيرة ومجهزة بشكل جيد وزاخرة بالمخطوطات . ففي مدينة الجزائر هناك مدرسة بكل مسجد يجري فيها التعليم مجانيا ويتقاضى أساتذتها أجورهم من واردات المسجد واكن من بين مدرسيها أساتذة لامعون تنجذب إلى دروسهم عرب القبائل

السياسة التربوية في العهد الاستعماري:

انتهج الاستعمار الفرنسي أسلوبين في ذلك هما: محاربة اللغة العربية وإنشاء مدارس فرنسية

: محاربة اللغة العربية

رأى الفرنسيون أن اللغة العربية هي إحدى أبرز مقومات الشخصية الجزائرية, وأن بقاء هذه اللغة، يعني بقاء الشخصية الوطنية للجزائريين, التي تناقض حضارتهم وتعرقل أهدافهم ومشاريعهم, لهذا بذلوا جهودا كبيرة للقضاء عليها بمختلف الطرق لتفكيك المجتمع الجزائري وفصله عن ماضيه ليسهل ضمه وابتلاعه. وكانت الميادين التي خاضتها السلطات الفرنسية للقضاء على اللغة العربية هي ثلاث: -المدارس –الصحافة –الكتب

المدارس: استولى الفرنسيون على بعض البنايات المدرسية، بدعوى استغلالها وفق حاجاتهم, وحولوها إلى مكاتب إدارية مدنية أو عسكرية

وقد تم منع فتح المدارس لتدريس اللغة العربية طبقا للقانون الصادر في 18 اكتوبر 1892 الذي يقضي بعد فتح أي مدرسة إلا برخصة من السلطات الفرنسية ولكي تُسلم هذه الرخصة تم وضع عدة إجراءات منها:  

- الاستعلام عن صاحب الطلب, أي معرفة كل ما يرتبط بحياته وانتماءاته

- قبول عدد محدود جدا من التلاميذ في هذه المدارس

وفي سنة 1904 صدر قانون يمنع فتح أية مدرسة لتعليم القرآن إلا برخصة من السلطات, وإذا ما سمح بفتحها تبعا للشروط السابقة فإنه يمنع عليها تدريس تاريخ الجزائر وجغرافيتها ولكي تُسلم هذه الرخصة تم وضع عدة إجراءات.

إجراءات منها:  

-الاستعلام عن صاحب الطلب, أي معرفة كل ما يرتبط بحياته وانتماءاته

-قبول عدد محدود جدا من التلاميذ في هذه المدارس.

جاء في أحد التقارير الفرنسية (لجنة القروض الاستثنائية سنة1847): "لقد تركنا المدارس تسقط وشتتناها, لقد أُطفئت الأنوار من حولنا, أي أننا حولنا المجتمع المسـلم

إلى مجتمـع أكثر جهلا وبربرية مما كان عليه قبل معرفتنا / وفي المدن الكبرى منع تعليم

اللغة العربية والقرآن الكريم, أما في الجهات التي لم تمس فيها مدارس القرآن البسيطة,

فقد منع عليها فتح أبوابها خلال أوقات عمل المدارس الفرنسية .

* إنشاء مدارس فرنسية: عرف الفرنسيون أن تعليم لغتهم لأبناء الجزائريين هو السبيل السهل للسيطرة عليهم, لهذا دعا الكثير من عسكرييهم ومدنييهم إلى الاهتمام بتعليم الأهالي اللغة الفرنسية, ومن أشهر هؤلاء نجد الجنرال بيجو(BUGEAUD ) الذي كان يرفع شعار: السيف والمحراث والقلم, وكان الدوق دومال DUC D'AUMALEهو أيضا من المطالبين بهذا, حيث يقول: "إن فتح مدرسة في وسط الأهالي يعد أفضل من فيلق عسكري لتهدئة البلاد لهذا قاموا بفتح مدارس لتعليم اللغة الفرنسية بهدف القضاء على ما يسمونه بالتعصب الديني, وغرس الوطنية الفرنسية في أذهان الناشئة, وتسهيل التآلف مع الأوربيين وكسب الأجيال الصاعدة إلى جانبهم ليخدموا مصالحهم بين مواطنيهم .

في هذه المدارس يتعلم الطفل اللغـة الفرنسيـة وقواعدها والتاريخ الفرنسي والحضارة .

وقد تم تكوين فئة من الجزائريين، خدموا في المؤسسات الرسمية الفرنسية كمترجمين وقضاة وكتّاب إداريين بسطاء وغير ذلك.

* نهب الكتب والمخطوطات الجزائرية:

في الوقت الذي كان التوسع العسكري على أشده في مختلف جهات الوطن الجزائري، كان الفرنسيون من مدنيين وعسكريين يستولون على ما تحتويه المكتبات العامة والخاصة في المساجد والزوايا والدور. وقد لقيت مكتبة الأمير المصير نفسه بعد سقوط عاصمته المتنقلة "الزمالة" سنة 1843. وتلت هذه العملية، عمليات نهب وسطو على مختلف المخطوطات في مختلف المجالات. وكان الكثير من الفرنسيين, من صحفيين وعسكريين أو هواة أو غيرهم يتنقلون بين المدن والقرى وفي المؤسسات الثقافية يجمعون هذه الكنوز الثمينة بطريقة أو بأخرى لدراستها أو بيعها لدور الوثائق والمخطوطات في فرنسا نفسها أو غيرها من البلاد الأوربية.

وقد قام الكاردينال "لافيجري"LAVIGERIE بتأسيس جمعية "الآباء البيض", التي انتشرت في شمالي إفريقيا, حيث تقوم بفتح المدارس والمصحات ومراكز التكوين المهني للتوغل بين السكان, في محاولة لتقريبهم من النصرانية إن لم تستطع تنصيرهم كليا, وقد جذبت إليها أعداداً هامة من الأطفال في المدارس, واهتمت بالبنات في مراكز التكوين المهني, وقدمت الدواء للمرضى والمشردين والعجزة, تحت ستار المساعدة والأعمال الخيرية, بينما كان الهدف تنصير الجزائريين "بالتعليم ذي البرنامج التمسيحي الصريح، أو برنامج لهدم العقيدة والأخلاق الإسلامية, وبث التقديس للأمة الفاتحة، ولحضارتها وثقافتها." وقد اشتركت في هذه الأعمال مدارس المبشرين والمدارس العمومية الأخرى على السواء، لتفكيك تماسك الأسرة الجزائرية عن طريق تربية دينية تخالف تعاليم أسرهم المتوارثة.

وقد كان هناك تيار معارض لتعليم الأهالي وبخاصة من قبل المعمرين في الجزائر وفي فرنسا نفسها. وكان المعمرون أكثر تشددًا في هذا المجال, إذ أنهم كانوا يرون أن تعليم الجزائريين يعني نشر الوعي بينهم ليخرجوا للمطالبة بحقوقهم كمواطنين, فينافسون الأوربيين ويشاركونهم السلطة والنفوذ. وبدلا من ذلك طالبوا بتعليم أبناء الفلاحين تعليما فلاحيا "Ecoles Fermes" لخدمة مصالحهم ومصالح المستعمرة, لتكوين يد عاملة محلية رخيصة لمواجهة اليد العاملة الأوربية، التي تطلب أجورا أعلى, وإبقاء الجزائريين في الأرياف بعيدا عن الحواضر, حتى لا ينافسوا الأوربيين في الوظائف, إذا ما تابعوا التعليم العادي.

*أهداف الفرنسيين من سياستهم التعليمية: كان الهدف المعلن والخفي من السياسة التعليمية الفرنسية التي طبقتها في الجزائر هو : دعوى نشر الحضارة – و- الإدماج

أ-دعوى نشر الحضارة: لقد تم رسم سياسة أوربية مشتركة، مؤداها أن الغرب, باعتباره

مشروعا حضاريا, عليه أن ينقذ الأمم التي هي دونه تحضرا بمساعدتها على الارتـقاء إلى درجة المدنية في تجلياتها العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هكذا أدعى الفرنسيون أنهم جاؤوا لنشر الحضارة والتمدن بين أوساط الشعب الجزائري

المتخلف, والذي يعيش حياة جمود وخمول, أي أن فرنسا جاءت إلى هذه البلاد وهي تحمل رسالة حضارية "وأنها بهذا العنوان تتحمل مسؤولية التنوير والتحرير والتقدم. وكان مدنيوها وعسكريوها ورجال دينها ومستوطنوها يرددون هذا الشعار آناء الليل وأطراف النهار / وعندما جهز الفرنسيون الحملة العسكرية على الجزائر سنة 1830 أفهموا بقية الأوربيين أنهم ذاهبون للقضاء على القرصنة الهمجية, التي هي النقيض للتحضر والتمدن. وقد وعد الجنرال قائد الحملة الفرنسية الشعب الجزائري بالقضاء على النظام الدكتاتوري التركي, واستبداله بنظام ديموقراطي عادل, يسمح للناس بالدخول إلى عالم أكثر عدلا وتفتحا وتحضرا. لقد ادعى الفرنسيون أن استعمالهم للتعليم هو من أجل إخراج الأهالي من ظلمات الجهل والبربرية إلى نور العلم والمدنية, وتحبيب الحضارة الغربية لدى الناشئة. وأخَذَ المعلم الفرنسي دور الريادة في هذا المجال, لإبراز مزايا الحضارة الغربية وتوجيه الجيل الجديد للامتثال بالأوربيين، والتنصل من تراثهم الذي ينتمي في نظرهم إلى أمة متعصبة. وقد اتضح للفرنسيين أن التعليم هو السبيل الأول للتآلف معهم, وبواسطة هذا التعليم يمكن "تكوين عناصر قيادية, تعمل على تثبيت وجودهم والعمل تحت سلطتهم... تقوم مقامهم ليكون الجزائريون أتباعا وعبيدا للأسياد, يحترمون الحضارة الأوربية ويتبعونها .وقد وظف الاستعمار كل إمكانياته، من أجل الإستراتيجية الاستعمارية لإظهار غموض تاريخ الشعب الجزائري، وفقر إسهاماته الحضارية وسلبيتها, وفي المقابل أظهر للمتعلمين قوة الحضارة الأوربية وعظمتها , ووجوب تقليدها والعمل على منوالها . الجزائري المتخلف, والذي يعيش حياة جمود وخمول, أي أن فرنسا جاءت إلى هذه البلاد وهي تحمل رسالة حضارية "وأنها بهذا العنوان تتحمل مسؤولية التنوير والتحرير والتقدم. الإدمـاج: كانت السياسة العامة لفرنسا هي إلحاق الجزائر بفرنسا أرضا وسكانا, تحت

شعارات متعددة, منها: أن "البحر الأبيض المتوسط يقسم فرنسا كما يقسم نهر السين مدينة باريس", أو: "من دانكرك إلى تامنراست". وإذا كان إلحاق الأرض سهلا -وتم بعد الانتصار العسكري ميدانيا-فإن دمج المجتمع الجزائري هو العقبة الكأداء. كان على الفرنسيين إتباع

أساليب مختلفة لتحويل هذا المجتمع ليصبح أوربيا أو ملحق بالأوربي. وكان لابد من اتباع سياسة الفرنسة والتنصير لإذابة الشعب الجزائري في الكيان الفرنسي. فقد جعلت السلطات الفرنسية من اللغة الفرنسية وسيلة لتحقيق الغزو الفكري والروحي للشعب الجزائري، استكمالا لاحتلال الأرض. وبهذا كانت "الهيمنة الثقافية, وهي أشد ما تكون مكرا وخداعا, لا يمكن إلا أن تكون أشد ضررا وأكثر فسادا, وأعمق أثرا من السيطرة السياسية والعسكرية. لقد كان تأسيس المدارس من قبل السلطات الفرنسية يهدف إلى دمج المجتمع الجزائري المسلم بالمجتمع الفرنسي, والقضاء على مقدسات الشعب الأساسية، عن طريق نشر اللغة الفرنسية، والقضاء على اللغة العربية, ذلك ما صرح به أحد الضباط الفرنسيين "روفيغو" ROVIGO في رسالة نشرها "فيرو" في كتابه "المترجمون في الجيش الفرنسي", حيث يقول: "إن إيالة الجزائر لن تكون حقيقة من الممتلكات الفرنسية إلا بعد أن تصبح لغتنا لغة قومية فيها, وحتى تتأقلم فيها الفنون والعلوم التي يقوم عليها مجد بلادنا... والمعجزة التي ينبغي تحقيقها هي إحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية تدريجيا, ومتى كانت اللغة الفرنسية لغة السلطة والإدارة فإنها سوف لا تلبث أن تنتشر بين الأهالي, ولا سيما إذا وجدت مدارسنا إقبالا من الجيل الجديد."

وفي إطار سياسة فرق تسد, ومن أجل الوصول إلى نتائج أسرع, ركز الفرنسيون جهودهم على منطقة القبائل, وظهرت كتابات عديدة منذ السنوات الأولى للاحتلال, مؤداها أن سكان

هذه المنطقة هم أقرب إلى الأوربيين منهم إلى العرب, وعليه يجب فرنستهم وإعادتهم إلى النصرانية التي كانت سائدة بينهم خلال العهد الروماني. وفي 12 فيفري 1873 اقترح الضابط العسكري قائد دائرة الأربعاء ناث إيراثن في تقريره للحاكم العام دي قيدون De Gueydon مخططا لفرنسة المنطقة, يتضمن إلغاء المدارس "العربية الفرنسية"

FRANCO-MUSULMAN نهائيا, وخلق مدارس بلدية فرنسية, واستعمال كل الوسائل لإبعاد تأثير الزوايا، من أجل جعل المنطقة تحت السلطة الكاملة للفرنسيين . وقد مَنح الحاكم العام هذا كل التسهيلات للكاردينال لافيجري، من أجل فتح مدارس حرة في هذه المنطقة.

وهكذا أنشأ الآباء البيض مدارس عديدة في المنطقة, ودعا بعض

القساوسة الحاكم العام إلى أن تتولى الحكومة العامة نفسها الإشراف على هذه المدارس. وبعد شد ورد فيمن يتكفل بهذه المدارس, هل هي البلديات أم الحكومة العامة أم الوزارة, صدر مرسوم 9 نوفمبر 1881, الذي قرر إنشاء ثمان مدارس في منطقة القبائل تابعة لوزارة التعليم الفرنسية .وقد تخرج فعلا من هذه المدارس المختلفة جزائريون تِباعا, مختصون في الصحافة والتعليم والترجمة والقضاء والإمامة وغيرها, أي أن تلك الدراسات لم يكن التعليم بها "تثقيفيا بل لتحضير بعض الإداريين والمترجمين في الإدارة الجزائرية قصد التعجيل بالاندمـاج." قد كان الإدماج معناه جعل الجزائريين متساوين مع الأوربيين في كل المجالات, والتمتع بحق التعليم وتولي الوظائف بالطرق التي يخولها القانون الفرنسي أصلا, وأن يكون إقليم الجزائر جزء من الأراضي الفرنسية، منقسم إلى مديريات ومقاطعات، بالتقسيم نفسه الذي تخضع له الأراضي الفرنسية. ونظرا لمعارضة المعمرين، وبعض الساسة الفرنسيين, لم تطبق سياسة الدمج الكاملة بين الجزائريين والفرنسيين, بل طبقت عليهم سياسة عنصرية، كان الهدف منها القضاء على العنصر الأهلي، أو طرده نحو الأراضي الفقيرة والصحراوية لأنه منحط ومتخلف. كما طبقت عليه سياسة سميت بقانون الأهالي الذي صدر بعد اندلاع مقاومة 1871 ووسع مجاله بعد اندلاع مقاومة 1881 طبقا لقانون 28/6 الذي أعقبه إنشاء المحاكم الردعيةTribunaux répressives بناء

على مرسوم 29-3-1902 وقد أدت السياسة الفرنسية إلى تغيير أسماء بعض المدن والقرى, إلى جانب تسمية الشوارع بأسماء فرنسيين كان لهم البون الكبير في إخضاع الجزائر واحتلالها, كما أن السجل المدني الذي أنشئ سنة 1882أفضى إلى تزويد الجزائريين بألقاب جديدة لزمتهم آخر الأمر.

نتائج هذه السياسة :

استطاعت المدرسة الفرنسية, عن طريق سياستها التعليمية, التي شوهت تاريخ الجزائر, وقدمت التاريخ الفرنسي على أنه التاريخ الوطني, أن تكوّن فئة من الجزائريين انفصلت

عن شعبها, وتنكرت لأمتها, واندمجت في الحضارة الأوربية, وتجنست بالجنسية الفرنسية, ودافعت عنها دفاعا مستميتا, وبخاصة منذ مطلع القرن العشرين.ورغم هذا فإن هذه الفئة التي دعيت بـ "النخبة" لم تجد مكانها بين الفرنسيين, لأن هؤلاء لم يكونوا ينظرون إليهم كفرنسيين حقيقيين, بل كرعايا أو مواطنين من الدرجة الثانية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثالثة:

التعليم الجزائري بعد الإستقلال:

تطور النظام التربوي الجزائري بعد الاستقلال:فقد قسمت الفترة من 1962 إلى 2008 إلى 4 مراحل هي:

1/مرحلة 1962 إلى 1970

- تنصيب لجنة إصلاح التعليم

- التوظيف المباشر للممرنين والمساعدين

- توسيع شبكة المرافق التربوية

- اللجوء إلى عقود التعاون مع الأشقاء والأصدقاء لسد الحاجة

- تأليف الكتب وتوفير الوثائق التربوية

2/ مرحلة 1970 إلى1980

- صدور أمرية 76/35 المتعلق بتنظيم التربية والتكوين في الجزائر

- تجديد مضامين المناهج وتعميم التعليم المتعدد الشعب

- تنصيب امتحان شهادة التعليم المتوسط

- استحداث ميكانيزمات فعالة في توجيه التلاميذ

- سياسة الجزأرة

مرحلة 1980 إلى 2003 3/

- تعميم المدرسة الأساسية

- إصلاح التعليم الثانوي وإعادة هيكلته

- تعديل مناهج التعليم

- صدور القانون الأساسي الخاص لعمال قطاع التربية

4/ مرحلة 2003 إلى 2006

- تنصيب اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم

- دخول الإصلاح حيز التنفيذ

- تنصيب اللجان المتخصصة لإصلاح المناهج

التطور الهيكلي :

أهمية الهيكلة : أن الهيكلة التنظيمية لأية وزارة أو قطاع أو مؤسسة ، تهدف إلى تحقيق غايات عديدة نوجزها فيما يلي :

- الحكمة والتحكم في التسيير .

- تحديد المسؤولية في إطار المهام المسندة للموظف .

- تقسيم المهام حسب الكفاءات والتخصصات .

- التنسيق بين مختلف المديريات سوء كانت مركزية أو فرعية .

- التكفل بجميع القضايا المتعلقة بالجانب التربوي والتعليمي عندما يتعلق الأمر بالمؤسسة ذات الطابع التربوي .

- تمكين المديرين والمسيرين من الإلمام الشامل بمختلف القضايا في حدود اختصاصاتهم وصلاحياتهم .

مراحل هيكلة النظام التربوي : مر بعدة مراحل وهي :

1/المرحلة الأولى من 1962 إلى 1976 : " المرحلة التأسيسية "

* من سنة 1962 إلى سنة 1976 : - مرحلة التعليم الابتدائي: بــ 06 سنوات ويختم بامتحان في السنة السادسة ويمر التلميذ إلى التعليم العام .

*مرحلة التعليم العام : مدته 04 سنوات ويختم بشهادة التعليم العام والأهلية BEG et AHLIA

2/ المرحلة الثانية من 1976 إلى 2002 :

* من سنة 1976 إلى سنة 2002: مرحلة التعليم المتوسط : مدته 04 سنوات ويختم بشهادة التعليم المتوسط .

3/ المرحلة الثالثة من 2002 إلى اليوم

أ/ من سنة 1981 إلى سنة 2002 : مرحلة التعليم الأساسي مدته 03 سنوات ويختم بشهادة التعليم الأساسي .

ب/ من سنة 2002 إلى اليوم :مرحلة التعليم المتوسط مدته 04 سنوات ويختم بشهادة التعليم المتوسط .

التطور الكمي والنوعي :

قامت الجزائر بعد الاستقلال بمجهودات جبارة في مقدمتها الاهتمام بالمشاريع التعليمية وذلك:

- تمكين أطفال الجزائر من التعليم وبناء الأجيال الصاعدة على أسس جديدة فأصبح عدد الطلاب في المدارس الأساسية والثانوية أكثر من ثمانية ملايين ونصف مليون تلميذ يشرف عليهم أكثر من نصف مليون مدرس وإداري ، تحتضنهم 23الف مدرسة منها 1500 مدرسة خاصة بالتعليم الثانوي .

- أما مؤسسات التعليم فهي موجودة على مستوى كل بلديات القطر، وفي جميع القرى وحتى التجمعات السكانية البسيطة تتمتع بمدارسها الخاصة ولا توجد منطقة في الجزائر لا يستطيع أطفالها الالتحاق بالمدرسة فأصبح التعليم إلزامياً ومجانياً للجميع .

لقد تضاعف التعداد العام بــ 10 مرات منذ 1962 ليصل 8500.000 تلميذ وهذا يعني أن 4/1 سكان الجزائر هم حاليا في المدرسة, حيث وصلت نسبة التمدرس 97 بالمائة وهذا بفضل فترة التمدرس الإجباري من 06 إلى 09 سنوات بالإضافة إلى ذلك فإن الجزائر قد تبنت مبدأ ديمقراطية التعليم ومجانيته وإلزاميته زفي الوقت ذاته عملت على تجسيد خيار تعريب التعليم وجزأرة التأطير في مختلف المستويات . غير أن النمو الكمي للتربية قد واجهته صعوبات واختلالات أثرت على نوعية التعليم الممنوح وكذا على مردود المنظومة التربوية ككل , مما أدى إلى ضعف وتدني النتائج والمكاسب المحصل عليها بفضل مجهودات الدولة.

لكن الاتجاهات والتغيرات العالمية في المجال الاقتصادي والمعرفي وغيرها من التطورات ، أوجبت أن تجرى بعض الإصلاحات في القطاعات الثقافية والتربوية ، للتماشي مع معطيات العصر ، فالنجاح في تحقيق التعليم للجميع في الجزائر لم يعد كافياً ، بل لا بد من الاهتمام أكثر بالجانب النوعي للتعليم .

الآفاق المستقبلية للنظام التربوي في الجزائر

مر النظام التربوي في الجزائر بمراحل عدة من الاستقلال إلى اليوم تخللته عدة إصلاحات مست عدة جوانب تربوية بيداغوجية مهنية . وهذه الآفاق تسطر وتخطط على ضوء الواقع الميداني والحقيقي وما يطرح المجتمع من اهتمامات وقضايا تساهم في التمسك بالهوية الوطنية والشخصية الوطنية .بالإضافة إلى الاستجابة للوضع الجديد المتمثل في التحولات الداخلية والعالم الخارجي .

تعزيز دور المدرسة كعنصر لإثبات الشخصية الجزائرية وتوطيد وحدة الشعب الجزائري

ضمان ترقية القيم ذات العلاقة بالإسلام والعروبة والأمازيغية والمحافظة عليهاوتتمثل في :

1/ الإسلام كدين وثقافة وحضارة

2/ العروبة كلغة , كحضارة , كثقافة

3/ الأمازيغية كلغة وكثقافة وكتراث

أما في الميدان التربوي فتتمثل الآفاق في :

1/ تعميم الرقمنة في ميدان التسيير لجميع المجالات

2/ تعميم مخابر اللغات

3/ تعميم استعمال تقنيات الإعلام والاتصال

4/ منح التلاميذ ثقافة علمية وتكنولوجية حقيقية

5/ تعزيز مكانة تدريس اللغات الأجنبية في النظام التعليمي الجزائري سواء للتحكم فيها كلغات حية أو باعتمادها لغات تدريس في المواد العلمية والتكنولوجية خصوصا حتى يمكن للطالب من الاطلاع على المعلومات والمعارف من مصادرها الأصلية وفي وقت اكتشافها .

6/ تطوير تعليم اللغات الأجنبية لتمكين التلميذ الجزائري من التحكم الحقيقي في لغتين أجنبيتين عند نهاية التعليم الأساسي.

7/ القضاء على نظام الدوامين في كل مدارس التراب الوطني .

8/ تحسين نسب النجاح في الامتحانات المدرسية بقدرمعتبر ما بين 70 إلى 80 بالمائة.

9/ العمل على تجانس وتحسين معايير التمدرس داخل الولاية الواحدة وبين ولايات الوطن والتقليص من نسب التسرب المدرسي.

المحاضرة الرابعة:

المبادئ التربوية وتنظيم المسار الدراسي

حدد الدستور الجزائري المبادئ التي تحكم النظام التربوي الجزائري:

 المادة 53 من الدستور جعلت من التعليم حقا مضمونا ومجانيا لكل طفل في سن التمدرس إلى أن يبلغ من العمر 16 سنة.

 التعليم من صلاحيات الدولة وحدها حيث ترصد له جزءا كبيرا من ميزانيتها.

 لا تتحمل العائلات نفقات تمدرس أبنائها ما عدا ما يتعلق بالكتب المدرسية التي تباع بسعر مدعم من الدولة.

يستفيد التلاميذ من منحة خاصة بالدخول المدرسي.

يتميز النظام التعليمي بالمركزية فيما يتعلق بالبرامج والمناهج والمواقيت التعليمية.

 بيد أنه يتميز باللامركزية في تسيير المؤسسات والمستخدمين.

أقر القانون رقم 08-04 المؤرخ في 23 يناير، المتضمن القانون التوجيهي للتربية الوطنية، من خلال مواده 10، 11، 12، 13 و14 الحق في التعليم:

“المادة 10 : تضمن الدولة الحق في التعليم لكل جزائرية وجزائري دون تمييز قائم على الجنس أو الوضع الاجتماعي أو الجغرافي.

المادة 11 : يتجسد الحق في التعليم بتعميم التعليم الأساسي وضمان تكافؤ الفرص في ما يخص ظروف التمدرس ومواصلة الدراسة بعد التعليم الأساسي.

المادة 12 : التعليم إجباري لجميع الفتيات والفتيان البالغين من العمر ست (6) سنوات إلى ست عشرة (16) سنة كاملة.

غير أنه يمكن تمديد مدة التمدرس الإلزامي بسنتين (2) للتلاميذ المعوقين كلما كانت حالتهم تبرر ذلك.

تسهر الدّولة بالتعاون مع الآباء على تطبيق هذه الأحكام.

يتعرض الآباء أو الأولياء الشرعيون المخالفون لهذه الأحكام إلى دفع غرامة مالية تتراوح من خمسة آلاف (5.000) دج إلى خمسين ألف (50.000) دج.

تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم.

 المادة 13 : التعليم مجاني في المؤسسات التابعة للقطاع العمومي للتربية الوطنية، في جميع المستويات.

تمنح الدولة، علاوة على ذلك، دعمها لتمدرس التلاميذ المعوزين بتمكينهم من الاستفادة من إعانات متعددة، لاسيما فيما يخص المنح الدراسية والكتب والأدوات المدرسية والتغذية والإيواء والنقل والصحة المدرسية

تنظيم أطوار التعليم

إن إصلاح المنظومة التربوية أعاد تنظيم التعليم الإلزامي بإقامة كيانين متمايزين بوضوح يتمثلان في: المدرسة الابتدائية ومؤسسة التعليم المتوسط.

وهكذا، تم تخفيض مدة طور التعليم الابتدائي من 6 إلى 5 سنوات مع إدخال مرحلة التربية التحضيرية والعمل على تعميمها بالتدرج، وتمديد مدة طور التعليم المتوسط من 3 إلى 4 سنوات.

التربية التحضيرية

تشكل التربية التحضيرية مقوّما قاعديا في تربية الأطفال وتحضيرهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي، بإتاحة الفرصة لهم للتعلم وتطوير قدراتهم البدنية والذهنية والابتكارية والنفسية الاجتماعية. إنها ترمي كذلك إلى تطوير شخصيتهم وإيقاظ حسهم الجمالي وجعلهم يكتسبون المهارات الحسية الحركية وكذا العادات الحميدة التي تعدهم للحياة الجماعية كما ترمي أيضا إلى إكسابهم العناصر الأولى للقراءة والكتابة والحساب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الخامسة:

الأهداف العامة في نظام التعليم:

 كل نظام تربوي من الأنظمة التربوية على وجه الأرض له أهدافه الخاصة والعامة التي يسعى لتحقيقها. والتي يستمدها من المرجعية الفلسفية والاجتماعية التي يقوم عليها هذا المجتمع بما تحمله من موروث ثقافي يمتد في عمق تاريخها الحضاري والإنساني. غير أن هناك أهداف عامة يسعى كل نظام تربوي إلى تحقيقها رغبة في تحقيق التربية المثالية للفرد والمجتمع وعلى كافة المستويات المعرفية والنفسية والوجدانية والمهارية. تكون محصلة ذلك النمو والتطور المنشود, ويمكن تحديد هذه الأهداف فيما يلي:

1ــ التكيف الاجتماعي للفرد :

  إن التربية تعد الوسيلة الفعالة للتنشئة الإجتماعية سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة لذلك كان للتربية عند القدامى أو المحدثين أهمية كبيرة. حيث نظر إليها العديد من الفلاسفة والمفكرين على أنها القائد لحياة ناجحة وفعالة بل هي الحياة نفسها. فهي تضمن للفرد القدرة على التكيف مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه.

   فالتربية هي عملية رعاية الطفل وإنماء قابليته بإشراف الكبار. والكبار حين يفعلون ذلك إنما يضعون نصب أعينهم المجتمع الذي يعيش فيه ذلك الطفل. الذي سوف يعيش فيه وإلى شروط الحياة الإجتماعية فيه وعاداته وتقاليده وثقافته.

 ان الأجيال المتعاقبة بحاجة إلى تربية لتحقيق الانسجام والتكيف والتوافق مع مجتمعاتها وكذلك مع المجتمعات الأخرى. فعملية التواصل والمثاقفة ضرورة كمضادات مناعية لتحصين جسم الأمة من الانحلال والاضمحلال في الآخر لان هذا لا يتحقق إذا لم يؤدي النظام التربوي دوره كاملاً في هذه العملية.

2 ــ اكتساب المهارات الأساسية:

  يسعى أي نظام تربوي من خلال مناهجه التربوية وآلياته المستعملة في النطاق المدرسي من أجل تزويد المتعلمين بالقدرة على القيام بمجموعة من المهارات التي تعينهم في مزاولة الأنشطة المختلفة للحيا., داخل المدرسة وخارجها حسب المرحلة العمرية والقدرات العقلية التي يتمتعون بها, إلى جانب الجوانب المعرفية التي يحصلون عليها.

   فقد حددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم (اليونيسكو) جملة من الأهداف يسعى النظام التربوي لتحقيقها ليتمكن الأفراد من أداء وظائفهم على أكمل وجه. لكي يكون الأفراد قادرين على القيام بالوظائف المطلوبة منهم في المجتمع لابد من إدخال تحسينات على نوعية تعليمهم من حين لآخر. فالنظام التربوي يسعى من خلال التربية لتحقيق جملة من الأهداف تتمحور حول عدة محاور أهمها (التعليم للمعرفة, التعليم للعمل, تعلم لتكون, التعليم للتكيف البيئي).

  كما يساهم ويساعد في توجيه المتعلمين مع مراعاة التلاؤم بين كل مرحلة عمرية والمناهج المعدة لها. بما يتوافق مع النضج الجسمي والعقلي والاجتماعي يتم ذلك عن طريق معرفة معدل نمو الأطفال في الجوانب المختلفة. وتوجيههم نحو المهنة أو الدراسة الملائمة لمستوى هذا النضج حتى لا يواجه هذا المتعلم إحباطات نتيجة فشله في أداء عمله أو في عدم النجاح في الدراسة. إذا كانت غير ملائمة لنموه الجسمي أو العقلي, أو لا تتفق وميوله واتجاهاته.

جديد المنطلقات :

- إدراج البعد الأمازيغي في النظام التربوي

- التخلي عن الاختيار الاشتراكي

*جديد التنظيم :

- فتح مجال للخواص لإنشاء المدارس

- تحديد فترة التعليم ألإكمالي إلى أربع سنوات

- تقليص مدة التعليم الابتدائي بسنة واحدة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السادسة:

العوامل المؤثرة في نظام التعليم في الجزائر:

يتأثر النظام التعليمي في أي دولة من الدول بمجموعة من العوامل الناجمة عن الأوضاع الداخلية لهذه الدولة، وقد يكون بعضها قادماً من الخارج، وهذه العوامل قد تكون جغرافية أو اقتصادية أو عرقية أو فلسفية أو لغوية أو أخلاقية أو دينية بالإضافة إلى عوامل أخرى يفرضها الأخذ بالأساليب العلمية في معالجة قضايا التعليم.

وقد اتفق جميع دارسي التربية المقارنة على أهمية العوامل المتقدمة وأثرها الكبير في نشأة وتطور النظم التعليمية وسيرها في اتجاه معين وأخذها بحلول معينة في مواجهة مشكلاتها التعليمية، وتتفاعل هذه العوامل فيما بينها في تأثيرها على النظم التعليمية، كما تؤثر النظم في تلك العوامل أيضاً، وفيما يلي بيان لأهم العوامل التي تؤثر في النظم التعليمية:

1-     العامل الجغرافي: تؤثر العوامل الجغرافية تأثيراً كبيراً على مستوى الثقافة والحضارة والتعليم بصفة عامة، فعلى سبيل المثال فإن الدولة الزراعية تؤكد على مبادئ التعليم الزراعي في أنظمتها التعليمية، كما تعنى الدول الصناعية بدراسة التكنولوجيا والصناعة، كما يؤثر المناخ على النظام التعليمي من حيث طول الإجازة صيفاً وشتاءاً.

2-     العامل الاقتصادي: ينبع النظام الاقتصادي في أي دولة من ظروفها الخاصة حيث يتحدد في ضوء النظام الاقتصادي طبيعة النظام التعليمي وأهدافه ففي الدول الاشتراكية سابقاً كانت الدولة هي المالك للنشاط الاقتصادي بأكمله ومن ثم أثر هذا الأمر على توجهات النظم التعليمية في تلك البلاد من حيث ملكية الدولة لكل شيء وضرورة حماية الأفراد لهذه الملكية، أما في البلاد الرأسمالية التي تسود فيها الملكية الفردية ويؤكد فيها على حقوق الأفراد بالدرجة الأولى فإن التعليم يسعى إلى التأكيد على هذا التوجه ويترجمه بصورة عملية كالتنوع في المدارس من عامة إلى خاصة.

ويمكن القول بأن هناك علاقة تبادلية بين النظام الاقتصادي والنظام التعليمي فتنظيم التعليم ومحتواه وانتشاره وتطوره يتأثر بالعوامل الاقتصادية السائدة في المجتمع كما يؤثر التعليم من حيث نوعه ودرجته على مستوى معيشة الفرد ورفاهية المجتمع، فالتطور التعليمي سمة من سمات المجتمعات المتقدمة مادياً ومتطلب رئيس من متطلباتها بينما يعتبر التخلف التعليمي سمة من سمات المجتمعات المتخلفة اقتصادياً، كما تقوم الدول المتقدمة اقتصادياً بتخصيص نسبة من دخلها القومي للإنفاق على التعليم بما يحقق لأفرادها المزيد من التقدم والرفاهية.

3-     العامل العرقي: يؤثر العامل العرقي على الأنشطة التعليمية في كثير من الأحيان ولاسيما عند سيطرة عرق ما على مقاليد الأمور في بلد ما، ومن أمثلة ذلك: فرضت الدول الاستعمارية أنظمتها التعليمية على البلاد التي استعمرتها بحجة تفوقها العرقي بالإضافة إلى أسباب أخرى والتي تكون في كثير من الأحوال وراء فرض تلك الدول لنظمها التعليمية على الآخرين.

4-     العامل الاجتماعي: يتأثر النظام التعليمي بالنظرة السائدة للعلاقة بين الفرد والمجتمع.

ففي المجتمعات الرأسمالية يعتبر تحقيق حاجات ورغبات وميول الأفراد غاية في ذاتها انطلاقاً من اعترافها بحرية الفرد وحقه في التعبير عن اختلافاته عن الآخرين، وباعتبار أن إتاحة المجتمع الفرص لنمو أفراده سوف يؤدي إلى رفاهية المجتمع وبالتالي لا يملك المجتمع الرأسمالي الحق في الضغط على أفراده لتوجيههم إلى مسارات تعليمية تتعارض مع ميولهم.

أما في المجتمعات الاشتراكية فقيمة الفرد فيها تستمد من الوظيفة التي يؤديها للمجتمع ولا قيمة له إذا انفصل عنه، ومن ثم يصبح لأهداف المجتمع الأولية على أهداف الفرد وميوله وحاجاته، ونظام التعليم في المجتمع الاشتراكي يحرص على تربية المواطن المنتمي للمجتمع أكثر من تربية الفرد، ومن ثم يربى الأفراد منذ نعومة أظفارهم على تقديم أهداف المجتمع، أما عند الاختلاف بينهما فإن على الفرد أن يتنازل عن أهدافه من أجل تحقيق أهداف المجتمع.

5-     العامل الديني: كان للعامل الديني وما زال أثره الواضح على التعليم، فقد كان لظهور المسيحية ثم الإسلام أثره الكبير على انتشار التعليم، ففي أوربا المسيحية قبل عصر الإصلاح الديني كان المحور الأساس للتعليم بالنسبة لفئات المثقفين من رجال الدين والمحامين والأطباء والمعلمين هو الدين المسيحي وفقاً للمذهب الكاثوليكي، كما أدى ظهور المذهب البروتستانتي إلى توسيع أكثر في التعليم.

6-     العامل السياسي: تؤثر البيئة السياسية في المجتمع على نطاق التعليم فيه ويمكن النظر إلى البيئة السياسية فيه من منظورين رئيسيين:

المنظور الأول: وضع السلطة السياسية في المجتمع والتي يمكن أن تكون في يد حاكم مطلق أو في يد أقلية أو في يد غالبية أفراد الشعب ممثلة في الحزب السياسي ولكل حالة من الحالات الثلاثة أثرها الواضح على النظام التعليمي.

المنظور الثاني: النظام السياسي، وهو إما أن يكون نظاماً ديموقراطياً يتميز بالتعدد الحزبي ومن أمثلته النظم السياسية الموجودة في الغرب،وإما أن يكون نظاماً جماعياً يقوم النظام السياسي فيه على فكرة الحزب الواحد وتمثل هذه السياسات المجتمعات الاشتراكية، ولكل من هذه النظم السياسية أثارها الكبيرة في النظام التعليمي.

7-     العوامل المتصلة بالإنسانية: ويقصد بها الدعوة إلى تحرير الإنسان من الخرافات في تفسير أحداث الحياة واللجوء إلى الأسلوب العلمي،وقد انتشر هذا المذهب في القرون الأخيرة وهو يؤكد أن الإنسان هو المستهدف في كل الأشياء وهو مقياس كل شيء، وقد أدى انتشار هذا المذهب إلى فصل الدولة عن الكنيسة، وقد اتضح هذا العامل في فرنسا في القرن السابع عشر ميلادي حيث أصبحت الدولة منوطة بالتعليم ومسؤولة عنه، كما ظهر أثره في بريطانيا في تغيرات المناهج ثم تطورت نظرة الدول لعامل الإنسانية وقد اتضح في هذه الأيام أثر هذا العامل في تطوير وتحديث النظم التعليمية في بلدان المختلفة.

8-     العامل التاريخي: فبالرغم من أن التربية المقارنة تركز اهتمامها على دراسة نظم التعليم أو المشكلات التربوية المعاصرة إلا أن فهم هذه المشكلات والتوصل إلى حلول لها يتطلب تتبع جذورها التاريخية القريبة والبعيدة، فالإنجازات أو أوجه القصور في الماضي تمثل الوسيلة الأساسية لفهم الحاضر، والصلة الوثيقة بين مشكلات الحاضر وجذورها التاريخية تعد أساساً لفهم هذه المشكلات والتعامل معها.

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السابعة:

التحديات البارزة التي تواجه المدرسة الجزائرية و النظام التربوي:

إن إطلالة القرن الجديد تضعنا في مفترق الطرق و تجعلنا أمام خيارين فإما أن نقتحم عالم الغد و نجن مؤهلون لكسب رهاناته،  وإما أن نجد أنفسنا في خضمه و نحن مازلنا نتخبط في التخلف،  و الحال ان المجتمع لا يمكنه أن يتقدم أو يتطور إلا إذا كان في موقع يسمح له بذلك،  إلا ان المجتمع الأمي يقف حاجزا منيعا أمام بناء المستقبل و تحقيق الطفرة المأمولة.

1.تحديات العولمة: لاشك أن العولمة  قوة مركزية ستحول العالم وقضاياها،  ليست قضايا مجردة بل هي عوامل ومتغيرات ملموسة ستؤثر على حياتنا اليومية وتطال العيش المعتاد لكل فرد ،  مثلما هي مرتبطة بالأفاق التي تفتحها و المستقبل الذي تحيل عليه،  وهكذا سندخل في مرحلة جديدة ستغير مجرى الأشياء،  مرحلة تتميز بالعمل على تطوير أنشطة جديدة لبحث بشكل مسترسل عن بدائل أخرى، ولقد جلبت العولمة معها ثورة تكنولوجية تتميز بمظهرين[:

المظهر الأول: يتجلى في إضفاء الطابع الإعلامي على المجتمع و يقود إلى ما أطلق عليه مجتمع المعرفة و الإعلام فالمعلومات اخترقت المجتمعات بشكل عميق واخترقت بصفة خاصة عالم الإنتاج

المظهر الثاني: يتجلى في الثورة الرقمية وهي تجري في ميادين التقنية و المعلوماتية والتواصل كما عملت العولمة و الإنترنت كقوة لوجستية على خلق أنشطة اقتصادية جديدة تتميز بدورها بأربع خصائص هي انها كونية، ومباشرة،  مستديمة وغير مادية.

2.تحديات اجتماعية :يعتبر النمو الديمغرافي المسجل في الجزائر و ارتفاع نسبة الشباب عاملا مهما في النهوض بالأمة، ومخزونا بشريا استراتيجيا لابد من الاهتمام به و توجيه من خلال زرع قيم الاتحاد والإخاء والتعاون والمحبة والسلام بين صفوف الناشئة لتحقيق مجتمع متزن متألف ،فالتغلب على الآفات الاجتماعية كالمخدرات و العنف يساهم النظام التربوي من خلال مناهجه وأساليبه التعليمية في الحد من هذه الظواهر الاجتماعية.

3.تحديات اقتصادية :تكتسي النظم التربوية في كل المجتمعات أهمية بالغة كونها البيئة الحاضنة للأجيال و مخزن القوى العاملة في المجتمع فربط النظام التربوي بالاقتصاد بات من أولويات إصلاح التربوي منشود ،فأن لم يتم الربط بأحكام ودقة قد تتسبب في خلل وظيفي بين عملية الإصلاح و التنمية الاقتصادية و بالتالي عدم تحقيق الأهداف المدرجة في أي عملية إصلاحية أو تنموية.

4.تحديات عملية وتكنولوجية :بات من المؤكد ان القرن الحالي من ابرز سماته التطور الهائل في المجال العلمي والتكنولوجي ،فمجتمع ما بعد الثورة الصناعية أو مجتمع المعرفة كما ينشده الكثير من علماء التربية في العالم يفرض تحديات على النظم التربوية في كل انحاء العالم المتقدمة منها والنامية على حد سواء فاستشعار هذا التوجه صار أمرا ضروريا عند الإقدام على أي مبادرة تجديدية او إصلاحية للنظام التربوي.